أخبار اليوم - عواد الفالح - يشكل موسم الصيف في الأردن ذروة الطلب على الشقق المفروشة، إذ يتدفق المغتربون والسياح لتمضية عطلاتهم، ما يخلق حركة نشطة في هذا القطاع. غير أن هذه الحركة، بدل أن تسهم في تنشيط السوق بشكل إيجابي، تكشف عن خلل اقتصادي واضح يتمثل في غياب منظومة تنظيمية تضبط العلاقة بين العرض والطلب. فالأسعار ترتفع إلى مستويات تقترب من كلفة الإقامة الفندقية، بينما المواصفات المقدمة تظل متواضعة ولا تعكس القيمة المدفوعة، الأمر الذي يخلق فجوة كبيرة بين ما ينفقه المستأجر وما يحصل عليه فعليًا.
الطلب الموسمي المتزايد على الشقق المفروشة يدفع بعض الملاك إلى رفع الأسعار مستندين إلى حاجة المغتربين والسياح، في وقت لا تتوافر فيه آليات رقابية تحدد سقوفًا عادلة أو تضمن الحد الأدنى من الجودة. ونتيجة لذلك تتحول السوق إلى بيئة مفتوحة تستفيد منها فئة محدودة، بينما يتضرر المستأجر الذي يجد نفسه مضطرًا لدفع مبالغ مرتفعة مقابل خدمات أقل من التوقعات.
هذا الخلل لا ينعكس على الأفراد فقط، بل يمتد إلى الاقتصاد الوطني وصورة الأردن السياحية. فالمستهلك غير الراضي عن تجربته ينقل انطباعاته السلبية، ما يضعف القدرة التنافسية للسوق الأردني أمام وجهات أخرى في المنطقة تقدم خدمات أفضل وبأسعار أكثر عدالة. وهنا يظهر أثر غياب الناظم الاقتصادي الذي يفترض أن يوازن بين حجم الطلب وقدرة العرض على تلبية الاحتياجات وفق معايير واضحة.
ورغم أن الحكومة تمتلك الصلاحيات الكاملة لإعادة هيكلة هذا السوق، إلا أن غياب تدخلها الفاعل يجعل المسألة رهينة تقلبات موسمية، حيث يتكرر المشهد نفسه كل عام: ارتفاع أسعار دون مبررات حقيقية، وتراجع في مستوى الجودة، واستياء متزايد لدى شريحة واسعة من المغتربين والسياح. النتيجة النهائية هي سوق غير مستقرة تفقد قدرتها على التطور والاستدامة.
وتبرز في هذا السياق مطالبات متزايدة بضرورة تنظيم هذا القطاع من خلال وضع عقود واضحة وملزمة تحفظ حقوق المستأجرين والمالكين معًا، وإنشاء مؤسسة مختصة تشرف على الشقق المفروشة وتدير عملها وفق معايير محددة، إلى جانب منع العمالة الوافدة أو بعض الأفراد غير المرخصين من إدارة هذا النشاط الذي تحول إلى سوق كبير جدًا في الأردن. هذه الخطوات من شأنها أن تُنهي حالة الفوضى، وتؤسس لبيئة عادلة ومتوازنة تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني وتعزز ثقة المغتربين والسياح بالوجهة الأردنية.
الحل يكمن في بناء منظومة تسويقية وتنظيمية واضحة، تحدد الأسعار وفق أسس اقتصادية عادلة، وتضع معايير ملزمة للجودة، وتؤسس لمرجعية رسمية تدير هذا الملف بعيدًا عن الارتجال والعشوائية. فما لم يُعالج هذا الخلل، ستظل الشقق المفروشة عنوانًا لفوضى موسمية تفقد الأردن ميزة اقتصادية كان يمكن أن تتحول إلى أحد مصادر قوته السياحية.