فوائد وأضرار جهاز التكييف

mainThumb
فوائد وأضرار جهاز التكييف

20-08-2025 10:44 AM

printIcon

أخبار اليوم - في القرن التاسع عشر، وفي أثناء تفشي وباء السل، كان الأطباء ينصحون الناس بفتح النوافذ والخروج إلى الهواء الطلق هرباً من «الهواء الفاسد» داخل البيوت. وبعد عقود، وتحديداً في ستينات القرن الماضي، انتشرت أجهزة التكييف حول العالم، لتجعل البقاء في الداخل أكثر راحة وجاذبية. واليوم، يمكن القول إننا أصبحنا جزءاً مما يُعرف بـ«جيل الداخل»، إذ نقضي معظم أيام الصيف محتمين خلف الجدران، معتمدين على أجهزة التبريد كملاذ من الحر الشديد، وسط موجات الطقس القاسي التي تجتاح مناطق واسعة من العالم كل صيف.

ولا شك أن أجهزة التكييف أنقذت ملايين الأرواح، فهي وسيلة فعّالة لتفادي ضربات الشمس وموجات الحر القاتلة؛ بل وحتى لتقليل التعرّض لتلوث الهواء الخارجي. لكن، في المقابل، يبرز سؤال مهم: هل التكييف خير مطلق، أو أن لهذا الاعتماد المفرط عليه ثمناً خفياً يمكن أن ندفعه من صحتنا وسلامة كوكبنا في صيف يزداد حرارة عاماً بعد عام؟

وأعلنت إدارة الصحة في مدينة نيويورك، الاثنين، عن انتشار داء عبر أجهزة التكييف أدى لوفاة 5 أشخاص، ونقل 14 آخرين إلى المستشفى بعد إصابتهم بداء «الفيالقة»، وتم تأكيد إصابة 108 أشخاص آخرين بهذا الداء التنفسي في حي هارلم فقط.


مخاطر صحية
تقول الدكتورة بريمروز فريستون، أستاذة علم الأحياء الدقيقة السريري في جامعة ليستر البريطانية، إن وظيفة أجهزة التكييف تقوم على ضخ الهواء البارد وضبط مستويات الرطوبة، إلا أن ذلك يجعل الهواء الداخلي أكثر جفافاً من الهواء الخارجي. ومع البقاء طويلاً في بيئة منخفضة الرطوبة، تُصاب الأغشية المخاطية للأنف والحلق بالجفاف؛ ما يقلل من فاعليتها في طرد البكتيريا والفطريات، ويزيد احتمالية الإصابة بالتهابات عميقة مثل التهاب الجيوب الأنفية.

وأضافت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «دراسات سابقة أجريت على العاملين في بيئات مكيّفة، أظهرت أن وظائفهم الرئوية أقل كفاءة من نظرائهم في بيئات غير مكيّفة، وأنهم يعانون أعراضاً تنفسية أكثر، خصوصاً الأعراض التحسسية، إضافة إلى تراجع في وظائف الرئة وارتفاع معدلات الغياب عن العمل».

وأشارت أستاذة علم الأحياء الدقيقة السريري إلى أن قضاء ساعات طويلة في أماكن مغلقة مكيّفة، خصوصاً في حال غياب الصيانة المنتظمة، قد يؤدي إلى مجموعة من الأعراض أبرزها الصداع، والدوخة، وانسداد أو سيلان الأنف، والسعال المزمن، وتهيّج الجلد أو الطفح الجلدي، إضافة إلى صعوبة التركيز والشعور بالإرهاق، وتزداد شدة هذه الأعراض مع طول مدة البقاء في الداخل، بينما تتلاشى تدريجياً بعد مغادرة المكان.

كما حذّرت فريستون من أن فلاتر التكييف غير النظيفة قد تطلق في الهواء مسببات حساسية مثل الفطريات وحبوب اللقاح، فضلاً عن مواد كيميائية متطايرة خطيرة مثل الفورمالديهايد والبنزين والتولوين، وجميعها قادرة على تهييج أنسجة الجهاز التنفسي والتسبب في التهابات حادة أو نوبات ربوية.

أما فيما يتعلق بالأمراض المعدية، فأوضحت أن أجهزة التكييف قد تشكّل بيئة خصبة لبكتيريا ليجيونيلا المسببة لداء الفيالقة، وهو التهاب رئوي خطير قد يتطلب دخول المستشفى والعلاج بالمضادات الحيوية الوريدية. وأشارت أيضاً إلى حالات موثقة في الصين لانتقال فيروس النوروفيروس عبر أجهزة التكييف.


الحساسية والعدوى
من جانبه، قال الدكتور ويليام تشيكلي، اختصاصي أمراض الرئة والعناية الحرجة وأستاذ الطب في كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز الأميركية، إن «الأشخاص الذين يقضون ساعات طويلة في الغرف المكيّفة قد يعانون جفاف الحلق، والسعال، وانسداد الأنف، والصفير وضيق التنفس».

وأضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الأعراض تظهر بشكل أوضح لدى الرُضّع وكبار السن والمصابين بالربو أو مرض الانسداد الرئوي المزمن، لأن الهواء البارد والجاف يهيّج الجهاز التنفسي ويثير ردود فعل عند هذه الفئات الأكثر عرضة للتأثر».

وأشار إلى أن أجهزة التكييف التي لا تتم صيانتها بشكل جيد يمكن أن تزيد من مخاطر المرض، إذ تصبح المرشحات المتسخة بيئة مثالية لنمو العفن والبكتيريا والمواد المسببة للحساسية، التي تنتشر لاحقاً عبر الهواء.

ورغم هذه التحديات، شددت فريستون على أن أجهزة التكييف يمكن أن تكون وسيلة حماية فعّالة إذا جرى الاعتناء بها بالشكل الصحيح، لافتةً إلى أن الدراسات خلال جائحة «كوفيد-19» أظهرت أن أجهزة التكييف التي استُبدلت فلاترها بانتظام وتم تنظيفها ساعدت بالفعل في تقليل انتشار الفيروسات داخل المباني.

ويُعَدّ التبريد عبئاً مضاعفاً على المناخ؛ إذ تعتمد أجهزة التكييف التقليدية على غازات تبريد قوية التأثير تتسبب في تفاقم الاحتباس الحراري، فضلاً عن استهلاكها كميات هائلة من الطاقة. ووفق برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن العديد من أجهزة التبريد الحالية تستخدم غازات «الهيدروفلوروكربون»، وهي من أقوى الغازات الدفيئة. ويقدّر البرنامج أن الانبعاثات الناتجة عن التبريد قد تتضاعف بحلول عام 2030، وتصل إلى ثلاثة أضعاف بحلول 2050، بعدما مثّلت نحو 7 في المائة من الانبعاثات العالمية في عام 2023.

تحديات بيئية
رغم أن أجهزة التكييف تساعد في حماية الناس من الحرارة الشديدة والتلوث الخارجي، فإنها تطرح في المقابل تحديات بيئية متزايدة. يقول الدكتور جيفري سيجل، أستاذ الهندسة المدنية في جامعة تورنتو الكندية: «مكيفات الهواء تستهلك كميات ضخمة من الطاقة، وزيادة استخدامها ترفع الطلب على الكهرباء التي تُنتَج غالباً من الوقود الأحفوري، ما يؤدي إلى انبعاث الغازات الدفيئة وتفاقم تغيّر المناخ، في مفارقة تؤدي إلى ظروف أشد حرارة تزيد بدورها الاعتماد على التكييف».

ويضيف سيجل لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك مشكلة بيئية أخرى تتمثل في أن أنظمة التكييف لا تزيل المركّبات العضوية المتطايرة (VOCs)، وهي مواد كيميائية ضارة تنبعث من الأثاث ومنتجات التنظيف ومعطرات الجو، وتتراكم داخل البيوت المغلقة بإحكام، وهذه المركّبات يمكن أن تُخلّ بالتوازن الميكروبي الداخلي وتضرّ بالصحة على المدى الطويل».

التوسع في استخدام التكييفات قد يعرّض ما يصل إلى ثلاثة أرباع سكان العالم لموجات حرارة ورطوبة قاتلة بحلول عام 2100، وفق تقديرات الأمم المتحدة. كما يُتوقَّع أن تشهد المدن ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة مع استمرار تغيّر المناخ، إذ قد تصل الحرارة في نحو 1000 مدينة إلى 35 درجة مئوية صيفاً بحلول 2050، أي بزيادة تقارب ثلاثة أضعاف الوضع الحالي؛ ما يعرّض نحو 1.6 مليار شخص لمخاطر مباشرة.

وأشار البرنامج أيضاً إلى أن الطلب على التبريد في المباني يشكّل حالياً قرابة 20 في المائة من استهلاك الكهرباء عالمياً، وهو أسرع مجالات الطاقة نمواً، ومن المتوقع أن يتضاعف ثلاث مرات بحلول منتصف القرن.


حلول للتكيف مع الواقع
رغم أن التكييف أصبح وسيلة أساسية للتخفيف من قسوة الحر في المباني الحديثة، فإنه يظل غائباً أو محدود الاستخدام في البيوت المتواضعة التي لا تسمح ظروفها الاقتصادية أو بنيتها التحتية بتركيبه وتشغيله باستمرار. وهنا يظهر التباين جلياً؛ فبينما ينعم البعض بالراحة والرفاهية، تعاني فئات أخرى حرارة الصيف الشديدة، في مشهد يعكس غياب العدالة في التكيف مع آثار تغيّر المناخ.

ويشير الدكتور وحيد إمام، أستاذ العلوم البيئية بجامعة عين شمس المصرية، إلى أن التغيرات المناخية أصبحت واقعاً لا مفر منه، ما يحتم الاستثمار في وسائل التخفيف والتكيف معاً.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الواقع الحالي يُحتّم علينا على المستوى الشخصي أن نتكيّف مع موجات الحر في حدود إمكانياتنا الاقتصادية كل حسب ظروفه وقدرته المادية».

ونوه إلى أن الحكومات لا بد أن تسعى لتحقيق قدر أكبر من العدالة الاجتماعية في مواجهة الحر الشديد، عبر التخطيط الجيد للمدن، وزيادة المسطحات الخضراء التي تشكل متنفساً يسهم في التخفيف من الحر، بالإضافة إلى مكافحة البناء العشوائي.

ورأى أن الأفراد يمكنهم مواجهة موجات الحر بوسائل بسيطة وفعّالة دون الاعتماد الكامل على التكييف، مثل تحسين تهوية المنازل من خلال تنظيم فتحات النوافذ والأبواب بما يسمح بتجديد الهواء وتقليل الإحساس بالحرارة. كما يُعد استخدام الشبابيك الخشبية خياراً عملياً، إذ يسهم الخشب في الحد من تسرب الحرارة مقارنة بالزجاج أو الألمنيوم، ويتيح تهوية أفضل إذا كان تصميمه مزوداً بفتحات صغيرة. ويضيف إمام أن الاستحمام بالماء الفاتر مع تشغيل المروحة يساعد على خفض حرارة الجسم الداخلية ويمنح إحساساً بالانتعاش، ما يقلل من الإجهاد الحراري.

في المقابل، يطرح خبراء برنامج الأمم المتحدة للبيئة حلولاً قائمة على الطبيعة لتقليل الاعتماد على التكييف، أبرزها التشجير وزيادة الغطاء الأخضر في المدن للمساهمة في خفض الحرارة عبر التظليل والتبخر، حيث يمكن لشجرة واحدة أن تعادل في تبريدها عمل جهازين للتكييف على مدار يوم كامل. كما أن الأسطح الخضراء يمكن أن تقلل من استهلاك المكيفات بنسبة تصل إلى 75 في المائة خلال الصيف.

وأشار الخبراء أيضاً إلى أن المسطحات المائية مثل البحيرات والقنوات والبرك توفر تأثيراً تبريدياً واضحاً، مؤكدين أن هذه الحلول الطبيعية ليست مجرد خيار بيئي، بل هي ضرورة لجعل المدن أكثر قدرة على التكيف مع تغيّر المناخ، شرط تنفيذها على نطاق واسع وبخطط مدروسة عالمياً.