النزوح من غزة .. بين فقدان المنازل واستنزاف المدخرات

mainThumb
النزوح من غزة.. بين فقدان المنازل واستنزاف المدخرات

10-09-2025 09:53 AM

printIcon

أخبار اليوم - في الطابق الثامن من أحد أبراج مدينة غزة، وجد المواطن هيثم الصفطاوي نفسه أمام أصعب قرار في حياته، قرار لم يمنحه ترف الاختيار.

في لحظات قصيرة، اضطر إلى إفراغ شقته على عجل، خشية أن يطال البرج وابل التفجيرات التي تستهدف الأبراج السكنية في غزة واحدًا تلو الآخر. أخذ بعض الملابس وما تيسّر حمله بيديه، في حين ترك خلفه أثمن ما يملك: شقته التي لم يسدد ثمنها بعد، ومحتوياتها من غرف نوم وأثاث وذكريات.

كان خروجه من بيته أشبه بانتزاع الروح من الجسد. يصف الصفطاوي الموقف قائلًا: "الدموع انهمرت من عيني، لكنني أدركت أن النجاة بنفسي وبأسرتي أهون من أن نُدفن تحت الركام، فنحن نواجه عدوًا لا يرحم."

ويروي أن نقل المقتنيات من طابق مرتفع، في ظل انقطاع الكهرباء وتعطل المصاعد، يحتاج إلى عمال نقل وتكاليف تفوق قيمتها السوقية، فضلًا عن مخاطر تعرضها للكسر أثناء النزول. لذلك فضّل تركها رغم قيمتها المادية والمعنوية، على أمل أن يعود إليها يومًا.

ويضيف بحزن أن بعض جيرانه لم يجدوا خيارًا سوى بيع أثاثهم كحطب للنار، مشهد مؤلم يعكس كيف تحوّلت الممتلكات الثمينة إلى وسيلة للبقاء، في قرار قاسٍ فرضته الحاجة الملحّة وتكاليف النزوح الباهظة.

رحلة الصفطاوي لم تنتهِ عند حدود الفقد، بل حملت معها كلفة اقتصادية مرهقة تجاوزت 2000 شيكل، صرفها على المواصلات ونقل ما تبقى من الأثاث. وصل إلى بيت شقيقه في النصيرات وسط القطاع، غير أن البيت كان مكتظًا بالنازحين، فلم يجد مأوى سوى غرفة صغيرة فوق السطح، سقفها من ألواح الزينكو مغطاة بالنايلون خشية تسرب مياه الأمطار مع اقتراب الشتاء. ومن شقة واسعة في برج حديث بكلفة 60 ألف دولار، إلى غرفة ضيقة فوق سطح بيت مزدحم، تتجسّد مأساة نزوحه كصورة مكثفة لمعاناة آلاف الأسر في غزة.

أما نازح آخر يُكنّى بـ"أبو رشاد"، فقد روى أن انتقاله من مدينة غزة إلى دير البلح كلّفه أكثر من 3000 دولار، توزعت بين تكاليف النقل المرتفعة، وإنشاء حمام بدائي يضمن الحد الأدنى من الخصوصية لأسرته، إضافة إلى شراء خيمة كبيرة للإيواء. ويقول: "النزوح هنا لا يعني فقط فقدان المنازل والأثاث، بل هو أيضًا استنزاف مالي ضخم يلتهم ما تبقى من مدخرات الناس المحدودة." وأضاف أنه عند التهدئة اضطر أيضًا إلى دفع مبالغ مماثلة للعودة إلى مدينة غزة.

من جهته، يؤكد الاقتصادي خالد أبو عامر أن هذه الأعباء تأتي في سياق اقتصادي شديد القسوة: حصار ممتد منذ أكثر من 17 عامًا، وارتفاع غير مسبوق في أسعار الوقود والمواصلات والمواد الأساسية، مع شلل شبه كامل للحياة الاقتصادية. بالنسبة لكثير من العائلات، تصبح تكاليف النزوح أكبر من طاقتهم، ما يضطرهم إلى بيع ممتلكاتهم بأسعار زهيدة، أو الاستدانة، أو الاعتماد على المساعدات.

وأشار أبو عامر إلى أن هذه الدورة المتكررة من النزوح والاستقرار المؤقت والعودة عمّقت الأزمة الاقتصادية للأسر، حيث استُنزفت مدخراتهم المحدودة في صفقات خاسرة، وباتوا أقل قدرة على إعادة بناء حياتهم.

 فلسطين أون لاين