أحلام مسروقة .. أطفال غزة يدفعون فاتورة الإبادة

mainThumb
أحلام مسروقة.. أطفال غزة يدفعون فاتورة الإبادة

20-09-2025 02:04 PM

printIcon

أخبار اليوم -  آية وأمير وحور ومحمد وغيث وكريم أبو زايد، وأبناء أخوالهم تسنيم وساجدة وماريا، هم 9 أطفال دفنتهم الصواريخ الإسرائيلية تحت أنقاض المنزل الذي كانوا يسكنون فيه، وهم يلعبون في فنائه بعد رحلة نزوح إلى رفح استمرت 50 يوما. لم يمكثوا فيه طويلا، وكأن الطائرات كانت تنتظر عودتهم فانقضّت عليهم قبل أن يهنؤوا بدفء جدرانه من جديد.

لحظة واحدة قلبت الفرح إلى مأساة وغيرت ملامح المكان من فناء يملؤه اللهو والضحك إلى ساحة صامتة يغمرها الركام والدم. يقول الخال والعم إبراهيم ريان، الذي استشهدت أمه وأخواته في القصف نفسه، للجزيرة نت "عندما أفقت من هول الكارثة وجدت نفسي مصابا في كل أنحاء جسدي، تحاملت على نفسي وبدأت أبحث عن الأحياء فلم أجد سوى أسامة ابن أختي وابن عمه عمر، الناجيَين الوحيدَين، وكل من في البيت قُتلوا جميعا في القصف".

ويضيف "نعيش مأساة الفقد ووجع الفراق. لا أحد كان يتخيل أن تكون هذه النهاية المؤلمة لأطفال في عمر الورد كانوا فقط يبحثون عن بيت يؤويهم، وعن فسحة صغيرة يعيدون فيها بعضا من طفولتهم المسلوبة. لكنهم رحلوا معا، وكأن القدر أراد أن تبقى حكايتهم جماعية، لتقول للعالم إن أطفال غزة ليسوا أرقاما، بل (هم) حياة ووجوه وأسماء وأحلام صغيرة أُطفئت بصواريخ الحقد".


مأساة طفولة غزة
في غزة، الأطفال هم الوجه الأشد وجعا للمأساة؛ أجساد صغيرة تثقِلها الحرب، وابتسامات تخمِدها النيران، وأحلام تُمحى قبل أن تولد. فهم لا يريدون سوى حياة بسيطة: بيت آمن، وحضن أم، وحنان أب، ولعبة صغيرة. لكن فاتورة الإبادة تصر على أن تحمّلهم ما لا تحتمله القلوب.

تشير إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي في القطاع إلى أن عدد الشهداء الأطفال بلغ 20 ألفا، وصل منهم إلى المستشفيات 19 ألفا و424. كما استُشهد 1009 أطفال أعمارهم أقل من عام واحد، و450 رضيعا وُلدوا ثم استُشهدوا خلال الحرب، إضافة إلى 134 طفلا قضوا جوعا أو بسبب سوء التغذية. وبلغ عدد الأطفال الأيتام الذين فقدوا والدَيْهم أو أحدهما 56 ألفا و320.

آلاف الأطفال استُشهدوا تحت القصف، وآخرون جُرحوا أو تُركوا بلا والدين، فيما تشير التقارير إلى أن أكثر من نصف ضحايا الحرب هم من هذه الفئة الأكثر ضعفا.

وتبرز قصة الطفل معاذ السرسك (14 عاما) "شهيد الجوع"، الذي نزح مع أسرته من غزة إلى مخيم النصيرات، حيث كان سندا لوالديه رغم صغر سنه وحمل همّ أسرته مبكرا. كان يذهب إلى نقطة توزيع المساعدات في نتساريم رغم ما يواجهه من خوف ورعب وموت. وفي يوم انطفأ قلبه بقذيفة إسرائيلية أصابته لتنهي حياة طفل كان يحلم أن يكبر مثل أقرانه.

جرح مفتوح
يقول والده حسام للجزيرة نت "بعد استشهاد معاذ في 31 يوليو/تموز الماضي ازدادت ظروفنا صعوبة؛ فقد كان يجلب لنا الطحين والطعام في ظل المجاعة والغلاء، وكان يساعدني في توفير المصروف عبر بيع المعجنات التي تصنعها أمه. فلا مصدر رزق لنا سوى البيع".

وتضيف أمه، التي انفطر قلبها على فراقه "لقد كان مميزا عندي لأنه آخر أبنائي، ورحيله ترك في قلبي فراغا لا يملؤه أحد، وجرحا لا يندمل مهما مر الزمان". وقصة معاذ ليست مجرد مأساة فردية، بل هي انعكاس لجريمة جماعية يدفع ثمنها الأطفال أولا، حيث يتحول الجوع إلى أداة قتل صامتة لا تقل فتكا عن الصواريخ.


طفل آخر في عمر الزهور، محمد عبد الواحد أعدمه جيش الاحتلال في بيته أمام أعين والديه عند اجتياح مخيم النصيرات في 6 يناير/كانون الثاني 2024، فسُرقت طفولته وخُطف من صدر أمه التي لا تزال تحتضن ثيابه وتبكيه كل ليلة.

في خيمة متهالكة في أحد مخيمات النزوح، حيث تقيم عائلته بعد تجريف منزلهم، تجلس أمه المكلومة ملاك، وتقول للجزيرة نت "هدمت الدبابات والجرافات سور البيت وأطلقوا النار علينا مباشرة، فأصبت أنا وزوجي وابنتي، واستشهد محمد وهو في حضني. لقد كانت لحظة لا يمكن أن تُنسى مهما طال الزمن".

وتضيف "لقد انتزعوا قلبي من مكانه وتركوني جسدا بلا روح. لا أصدق أنني لن أراه بعد اليوم، ولا أنني أنتظر عبثا عودته فلا يعود. ما زلت أشعر بحرارة جسده في حضني ولحظة خروج أنفاسه الأخيرة، كأن الزمن توقف عند تلك اللحظة وأغلق على قلبي بابا من الحزن لا يُفتح".

واقع مظلم
ولم تشفع طفولة سلامة وزكريا وحمزة ومحمد أبو دباغ، لهم، حيث قتلتهم القذائف الإسرائيلية والطائرات المسيرة مع آبائهم وهم هاربون من بيتهم الذي اجتاحته دبابات الاحتلال بشمال النصيرات، فقد كانوا يبحثون عن ملاذ آمن، لكن الموت كان أسرع، ولم يبقَ منهم إلا صور صغيرة وذكريات موجعة تحكي فصول مأساة متجددة.

وفي ظل هذا الواقع المظلم، تتكشف حقيقة مرة أن جيلا كاملا يُمحى من الوجود، وأن الطفولة تُغتال بقرار ممنهج، في انتهاك صارخ لكل القوانين الدولية والإنسانية. ومع كل صرخة أم، ودمعة أب، يبقى السؤال معلّقا في وجه العالم: إلى متى يُترك أطفال غزة وحدهم في مواجهة الموت؟

وتؤكد الأرقام أن الأطفال الرضّع دون العام الأول دفعوا الثمن الأكبر، وهو ما يعكس الاستهداف الممنهج للحياة منذ بدايتها. كما تضع هذه المعطيات مؤشرات واضحة أمام العالم على أن الحرب في غزة استهدفت بشكل مباشر المدنيين الأكثر هشاشة وهم الأطفال.


واعتبر المدير الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إدوارد بيجبيدر، في تصريح منشوربموقع المنظمة، أن هؤلاء الأطفال "أرواح لا ينبغي أبدا اختزالها في أرقام، فهم جزء من قائمة طويلة ومروعة من أهوال لا يمكن تصورها. إنهم بحاجة إلى الحماية والغذاء والماء والدواء. وإلى وقف إطلاق النار".

الجزيرة