أخبار اليوم - أثار جدل واسع حول ما إذا كان من “الطبيعي” أن يفتّش الزوج أو الزوجة هواتف بعضهما، بعد تصريحات رأت أن التفتيش “ممنوع أخلاقيًا” ويقوّض الثقة داخل الأسرة. وتباينت المواقف بين من يعتبر الهاتف مساحة خاصة لا تُمس، وبين من يرى أن مسؤولية ربّ الأسرة والمتغيرات الرقمية تستدعي الاطلاع والمتابعة، ولا سيما عند توافر دوافع الشك.
مؤيدو “حق التفتيش” قالوا إن الثقة لا تتعارض مع الشفافية، وإن الاطلاع المتبادل على الهواتف يحدّ من فرص الانزلاق في علاقات غير مشروعة، معتبرين أن غياب كلمة السر أو تبادلها بين الزوجين مؤشر طمأنينة. وذهب بعضهم إلى أن “ولاية” رب الأسرة ومسؤوليته تتيح له التحقق عند الحاجة، خاصة في ظل ما وصفوه بـ“فتنة التطبيقات” وتنامي أسباب الخلافات الزوجية المرتبطة بالاستخدام السيئ للهواتف.
في المقابل، رأى معارضون أن التفتيش لا يبني ثقة بل يهدمها، وأن الأصل هو الأمان المتبادل، وأن أي علاقة تقوم على مراقبةٍ دائمة تتحول إلى علاقة قهر وتصيد أخطاء. وأكدوا أن التفتيش يصبح بلا معنى إذا بلغ الشكّ حدّ اليقين، لأن النزاع وقتها ينتقل إلى مسارات قانونية وأسرية أخرى، بينما يُستخدم التفتيش فقط لزيادة الأدلة وإشعال الخلاف.
وبين هذين الموقفين، برز رأيٌ وسطي يدعو إلى التمييز بين “الاطلاع التوافقي” القائم على الشفافية والتفاهم، و“التفتيش القهري” القائم على الريبة، مع التأكيد أن الهاتف قد يحتوي صورًا أو مراسلات عائلية خاصة لا يجوز تعريضها للانكشاف دون مبرر.
خبراء اجتماع أسري يرون أن جوهر الخلاف ليس الهاتف بحد ذاته، بل إدارة الثقة: فالعلاقات التي تتأسس على الصراحة المسبقة وقواعد واضحة لا تحتاج إلى تفتيش، بينما العلاقات التي تفتقر لاتفاقات تنظيمية (متى نستخدم الهاتف؟ ما الحدود المقبولة؟ ما واجبات الإبلاغ عن العلاقات الافتراضية؟) تكون أكثر عرضة للانهيار عند أول تصادم. ويشدد هؤلاء على أن وضع “ميثاق أسري رقمي” بين الزوجين—يحدد ضوابط الاستخدام وحالات الاطلاع المتبادل وأطر الخصوصية—قد يقلّل التوتر ويمنع تحويل الخلافات اليومية إلى قطيعة دائمة.
في المحصلة، يبقى السؤال معلّقًا بين قيمٍ متنافسة: الثقة والخصوصية من جهة، والمسؤولية والوقاية من جهة أخرى. وإذا كان التفتيش عند بعضهم “إجراء حماية”، فهو عند آخرين “مؤشر انهيار ثقة”. والراجح—بحسب مختصين—أن معيار الصحة في العلاقة ليس غياب كلمة السر أو حضورها، بل وجود اتفاق صريح، وحدود محترمة، وآليات عادلة لحلّ الشكوك قبل أن تتحول إلى نزاعات تهدد كيان الأسرة.