صالح الشرّاب العبّادي
ما جرى داخل مجلس النواب اليوم لم يكن مجرد “جلسة عابرة”، بل كان حدثاً يطرح أسئلة خطيرة حول طبيعة العملية التشريعية نفسها. فحين يُزجّ أحد عشر مشروع قانون في جلسة واحدة، وفي وقت بالكاد يكفي لمدّة استراحة، فإننا لا نتحدث عن تشريع بقدر ما نتحدث عن عملية تعجيل مُتعَمّد للعبور فوق النقاش.
الخلل لم يكن في التوتر وحده، بل في الفلسفة التي أدارت الجلسة:
فالنائب لم يُمنح حقه في الكلام، ولم يُفسح له المجال ليبني رأياً أو يقوّم نصاً أو يعترض على مادة. الرد كان واحداً: “القراءة أولية”، وكأن دور النائب في هذه اللحظة هو الحضور شكلاً والسكوت مضموناً.
ما حدث لم يكن نقاشاً، بل كان تضييقاً واعياً على الحوار.
الميكروفونات تُفتح لثوانٍ وتُغلق بزرّ، والاعتراض يُجابه بالاستعجال، والوقت يُدار وكأن غاية الجلسة إنهاء القوانين لا مناقشتها. وهذا وحده كافٍ للقول إن الخلل لم يعد في التفاصيل، بل في جوهر الدور النيابي نفسه.
البرلمان الذي يُحاصر صوت النائب، ويعامل القوانين الكبرى على أنها “روتين إداري”، يفقد تدريجياً صفته كسلطة تشريعية، ويتحول إلى منصة تمرير سريعة تخشى النقاش أكثر مما تخشى الأخطاء.
والقوانين التي تُناقش بهذا الأسلوب—هذا الضغط—تفقد معناها قبل أن تُقرّ، لأنها تُبنى بلا رأي، بلا نقد، بلا مساءلة.
إن التشريع ليس ورقة تُقرأ، ولا بنداً يُحذف، ولا فقرة تُمرّر. التشريع صوت وفكر ومواجهة. وعندما يغيب الصوت، ينهار المضمون، ويصبح البرلمان نفسه جزءاً من المشكلة، لا جزءاً من الحل.
ما جرى اليوم رسالة واضحة:
أن المساحة السياسية تضيق، وأن بعض الجلسات تُدار بعقلية السرعة لا بعقلية الدولة.
وأن النائب يُطلب منه أن يصوّت لا أن يفكّر.
وأن التشريع في طريقه للتحوّل من وظيفة دولة إلى وظيفة وقت.
إن الدولة التي تريد إصلاحاً سياسياً حقيقياً لا بد أن تعيد الاعتبار للمشهد التشريعي…
وتعيد للنائب مكانته وصوته وحقه في النقد…
وتعيد للجلسات روحها لا سرعتها.
لم يعد المواطن يحتمل هذه المسرحيات وهذه الجلسات الفارغة عن مضمونها وغايتها ، إلا إذا اراد بعض النواب هذه الطريقة وهذا الأسلوب فتلك مصيبة اخرى …
الهوة تتسع وتتباعد بين المواطنين وممثلي الشعب .. فقط اقول للنواب ورئاسة النواب : هل تتذكرون ماذا قال جلالة الملك في خطاب العرش عند افتتاح هذه الدورة ؟
لن اذكركم ولن اكرر ما قال ، لكن راجعوا وتذكروا وطبقوا ..
فهل انتم موقنون .