أخبار اليوم - تعيش غزة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخها الحديث، إذ تتفاقم المجاعة يومًا بعد يوم، وسط انعدام شبه تام للغذاء والماء والدواء.
آلاف العائلات باتت تقتات على وجبة واحدة فقط في اليوم، وغالبًا ما تكون هذه الوجبة خالية من العناصر الغذائية الأساسية، ما أدى إلى انتشار مظاهر الهزال وسوء التغذية، خصوصًا بين الأطفال وكبار السن.
قيد الحياة
"لا نأكل لنشبع، بل لنبقى على قيد الحياة"، بهذه الكلمات وصفت جيهان أهل، ربة أسرة من حي الدرج، الواقع الذي تعيشه مع أطفالها الخمسة. وتضيف: "نقسم رغيف الخبز على الجميع، وفي أغلب الأحيان لا نملك حتى ذلك. طفلي الأصغر أصبح جلده يلتصق بعظمه، لا دواء، ولا حليب، ولا حتى ماء نظيف".
وتتابع لصحيفة "فلسطين": "الوضع يزداد مأساوية. كنت أعد وجبتين مع بدء الأزمة، واليوم أقتصر على وجبة واحدة، لكن بكاء أطفالي من الجوع يخنقني، فأصبر بطونهم الخاوية بحصتي اليومية من الخبز، وأكتفي بالقليل من الطعام الذي يسكن جوعي".
أما نادية بلبل، فقد اتخذت تدابير تقشفية قاسية منذ إغلاق المعابر واشتداد أزمة المجاعة، فهي تصنع الخبز كل يومين، بمعدل رغيف واحد لكل فرد يوميًا، وتكتفي بوجبة واحدة من الأرز أو المعكرونة أو سلطة الخضار.
تقول بلبل لـ"فلسطين": "السلع الغذائية الأساسية أسعارها خيالية؛ زيت القلي قفز من 10 شواقل (الشيقل يعادل 3.63 دولارات)، إلى 70 شيقلًا، والسكر من 5 شواقل إلى 80 شيقلًا، والدقيق من 20 شيقلًا إلى أكثر من 500 شيقل".
وتضيف: "أصبحت أعدّ الأرز بطريقة غير معتادة؛ أغلي الماء وأضع الأرز فوقه حتى لا يعجن، واستغنيت عن تقليبه بالزيت لأن مذاقه ومظهره يصبح شهيًّا أكثر، وأكتفي بوضع القليل من الملح الذي ارتفع سعره كثيرًا. أما مكعبات مرق الدجاج فاستغنيت عنها، فقد أصبح سعرها باهظًا. اليوم لم أعد أبحث عن الطعم الشهي، بل عما يسدّ جوعنا فقط".
طرق بديلة
عائشة شملخ من حي الشيخ عجلين اضطُرّت إلى ابتكار طرق بديلة لصنع الطعام، في ظل ارتفاع أسعار الزيت، ومكعبات الماجي، وعدم توفر اللحوم والدجاج، وغلاء أسعار المواد الغذائية كالأرز والمعلّبات، التي كان ثمن بعضها لا يتجاوز نصف شيقل قبل اشتداد المجاعة مؤخرًا.
تقول شملخ، وهي ربة أسرة تعيل خمسة أفراد، لصحيفة "فلسطين": "الجوع يفتك بأجسادنا الهشّة؛ فلا طعام مغذي، ولا فيتامينات، ولا ماء نقي، ولا هواء نظيف. لكننا نحاول البقاء على قيد الحياة بالقليل من الطعام وبعض المعلّبات".
وتضيف: "لديّ ثلاثة كيلوغرامات من الحمص حصلت عليها من طرد غذائي قبل شهر رمضان، وكل ثلاثة أيام أطحن القليل منه، وأصنع منه الفلافل بعد قليه بالزيت. ومع غلاء سعر الزيت أصبحت أصنع صفيحة الفلافل على الصاج؛ أفرد عجينة الفلافل فوقه، ثم أقلبها على الوجهين حتى تنضج دون إضافة الزيت".
انهيار صحي
الكوادر الطبية في غزة تواجه هي الأخرى أزمة خانقة، حيث لم تعد تملك المعدات اللازمة لعلاج حالات سوء التغذية الحاد، ولا حتى المحاليل الوريدية. المستشفيات تعجّ بحالات الهزال الحاد، في ظل ندرة الغذاء وعدم القدرة على تأمين الحليب للأطفال أو الأغذية العلاجية الخاصة.
المنظمات الإنسانية المحلية والدولية أطلقت نداءات عاجلة لتوفير المساعدات، لكن الوصول إلى المناطق المنكوبة لا يزال صعبًا بسبب الإغلاق والحصار. برنامج الغذاء العالمي وصف الوضع بأنه "كارثي"، مشيرًا إلى أن المؤشرات تنذر بانهيار كامل لمنظومة الأمن الغذائي في القطاع.
في غزة، تُقاس الحياة اليوم باللقيمات، وتُحفظ الكرامة بفتات الخبز. مجاعة القرن الحادي والعشرين لم تقع في قرية نائية، بل في بقعة يعيش فيها أكثر من مليوني إنسان تحت أنقاض الوعود الدولية.
المصدر / فلسطين أون لاين