أخبار اليوم - في وقتٍ يشتد فيه الخناق الإنساني على أكثر من 2.4 مليون إنسان في قطاع غزة، تسعى إسرائيل إلى فرض سيطرة مشددة على آلية توزيع المساعدات الإنسانية، عبر خطة وصفت بأنها "غير قابلة للتفاوض"، تقترح تنفيذها من خلال مراكز توزيع تخضع لسيطرة الاحتلال، وتؤمّنها شركات أمنية أميركية خاصة، في خطوة قالت عنها صحيفة واشنطن بوست إنها تُعد شرطاً إسرائيلياً لرفع الحصار جزئياً عن القطاع.
وبحسب الصحيفة، قُدّم هذا المقترح إلى كبار ممثلي الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية خلال اجتماع عُقد في تل أبيب، الجمعة الماضي، في محاولة لإقناع الجهات المترددة بالانخراط في الخطة. ووفقاً للخطة، ستسمح إسرائيل بدخول نحو 60 شاحنة يوميًا فقط، وهو ما لا يتجاوز عُشر الكميات التي كانت تدخل خلال فترة وقف إطلاق النار.
ويُشرف جيش الاحتلال على تفتيش الشاحنات عند معبر كرم أبو سالم، قبل أن تتوجه إلى مراكز توزيع يحددها الاحتلال جنوب القطاع، حيث تتولى شركات أمنية خاصة تأمين المواقع، بينما تنفذ منظمات الإغاثة عمليات التوزيع المباشر للفلسطينيين، دون إشراف محلي أو دولي مستقل.
من جهتها، أفادت القناة 14 العبرية، اليوم الاثنين، بأن الخطة التي صادق عليها "الكابينت"، لن تبدأ قبل الشهر المقبل وربما أبعد من ذلك، في وقت تفتك المجاعة بسكان القطاع. وتضمن الخطة التي ستُنفّذ من خلال شركات أجنبية، استمرار المجاعة بحسب ما يُستشف من المعلومات التي نشرتها القناة، وكل ذلك بحجة منع المساعدات من الوصول إلى حركة حماس.
وبحسب المعلومات "ستبدأ اسرائيل، ما بين الشهر القريب والأشهر الثلاثة المقبلة، في إدخال المساعدات الإنسانية إلى مجمّعات (مناطق) إنسانية سيتم إنشاؤها جنوب القطاع، حيث سيؤمنها جيش الاحتلال، وسيتم التوزيع الفعلي من خلال شركة أميركية، وربما منظّمات دولية. وسيكون التوزيع مرة واحدة في الأسبوع، وكل عائلة ستحصل على 70 كيلوغراماً من المواد الغذائية".
وبموجب الخطة، ستسمح "إسرائيل" بدخول نحو 60 شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية الأساسية والمستلزمات المنزلية إلى غزة يوميا، وهو عشر الحجم الذي سمحت به بموجب وقف إطلاق النار الذي استمر ستة أسابيع وانتهى في أوائل آذار/ مارس. وسيقوم الجيش الإسرائيلي الإسرائيلي بتفتيش الشاحنات القادمة إلى جنوب غزة عند معبر كرم أبو سالم.
وقال رئيس إحدى المنظمات غير الربحية الدولية العاملة في غزة: "إنها مزحة، إدخال 60 شاحنة يومياً فقط هو مجرد تكتيك من جانب إسرائيل لتخفيف الضغط الدولي، وليس جهداً حقيقياً لمعالجة الأزمة الإنسانية في غزة".
وقد حذّر العديد من الأشخاص من أن الفجوة بين حجم الإمدادات المتاحة والحاجة الفعلية ستؤدي إلى اندلاع أعمال عنف حول مراكز التوزيع.
وذكرت "واشنطن بوست" أن جزء من تمويل الخطة، بما في ذلك التعاقد مع الشركات الأمنية الخاصة، سيتم عبر "مؤسسة غزة الإنسانية"، وهي منظمة غير ربحية جديدة مسجلة في سويسرا، أنشئت عقب مشاورات بين حكومات وقادة في مجال الإغاثة الدولية يعملون على حل الأزمة الإنسانية في غزة، وفقاً لأشخاص مطلعين على عمل المنظمة، لكنهم رفضوا تقديم مزيد من التفاصيل حول هذه الحكومات أو الجهات التي نظمت أو شاركت في تمويل المنظمة أو نطاق أنشطتها.
وكان القادة العسكريون الإسرائيليون قد عرضوا نسخة أولية من الخطة على وكالات الإغاثة في فبراير ومارس الماضيين، لكنها واجهت اعتراضات من الأمم المتحدة وجهات دولية أخرى، كما أثارت الجدل داخل مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي بشأن دور الجيش في العملية.
وقال مايكل ميلشتاين، المستشار السابق للشؤون الفلسطينية في الجيش الإسرائيلي إن "الهدف الأساسي هو احتلال غزة بأكملها لإنشاء إدارة مدنية أو نظام عسكري فيها، وتوزيع المساعدات يمثل الخطوة الأولى نحو هذا المسار".
لكن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، أبلغ مجلس الوزراء الأمني أن الجيش "غير مستعد أو راغب" في تحمل هذه المسؤولية، حسبما أفاد ميلشتاين، وذلك بسبب مخاوف من توسع نطاق المهمة، والضغط على قوات الجيش المنهكة بالفعل.
ووفقاً للصحيفة، فإنه من المتوقع أن يتم التعاقد مع شركتين أمنيتين أميركيتين، هما Safe Reach Solutions وUG Solutions، لتولي إدارة الأمور اللوجستية وتوفير الأمن على طول ممرات التوزيع الأولية وداخل المراكز وفي محيطها.
آلية توزيع مشبوهة تنتهك القانون الدولي
من جهته، حذر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة مما وصفه بـ "المخطط الخبيث"، مؤكداً أن الاحتلال يحاول تحويل المساعدات من عمل إنساني إلى أداة للابتزاز السياسي، وانتهاك صريح للمبادئ الدولية التي تقوم على الحياد والاستقلال.
وقال المكتب الحكومي، في بيان صحافي، إن الاحتلال لا يمكن أن يكون وسيطًا إنسانيًا، بل هو أصل المأساة وأداتها... إن ما يُحاول الاحتلال فرضه هو سياسة تجويع ممنهجة تحت غطاء إنساني كاذب."
من جانبه، أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن الآلية الإسرائيلية المقترحة تهدف إلى "هندسة تجويع المدنيين" وشرعنة الحصار، محذرًا من أن الخطة المقترحة قد تُستغل كوسيلة لفرض التهجير القسري وجمع بيانات حساسة عن المدنيين، تُستخدم لاحقًا في الابتزاز أو الملاحقة.
وأوضح المرصد أن السماح لكل عائلة بطرد أسبوعي واحد من المساعدات لا يكفي لمواجهة المجاعة، مشيرًا إلى أن الخطة تُقصي عمدًا وكالة "أونروا" والمؤسسات الإغاثية المحايدة، تحت ذريعة "التحييد السياسي".
دعوات للمقاطعة والضغط الدولي
المكتب الإعلامي الحكومي بغزة دعا بدوره المجتمع الدولي إلى رفض الانخراط في هذه الآلية، أو تمويلها بأي شكل، مطالبًا بتحرك فوري لفتح المعابر دون شروط وضمان تدفّق المساعدات عبر مؤسسات حيادية ومستقلة، تحفظ كرامة الإنسان وتحترم القانون الدولي.
ورأت "واشنطن بوست" أن هذه الخطة ستحد من قدرة وكالات الأمم المتحدة، مثل برنامج الأغذية العالمي ومنظمات الإغاثة الدولية، على العمل داخل غزة، رغم أن إسرائيل لا تزال تأمل في إقناعهم بالانضمام إلى المشروع.
وتلتزم العديد من المنظمات الإنسانية بقواعد تُلزمها بتقديم المساعدات بشكل حيادي، أينما وُجدت الحاجة، دون تدخل أي جهات مسلحة من أي من الجانبين.
وفي مقابلات مع الصحيفة، أعرب ممثلو 10 منظمات إغاثة دولية كبرى تعمل في غزة عن مخاوف بشأن الخطة الإسرائيلية، بما في ذلك أن حصر توزيع المساعدات على عدد قليل من المراكز في جنوب القطاع سيكون تمييزياً، وسيؤدي إلى موجة جديدة من النزوح.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش قد أكد أن المنظمة لن تدعم هذه الخطة المقترحة، قائلاً إنها "لا تحترم المبادئ الإنسانية بشكل كامل".
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الأحد، إن إسرائيل تسعى لإجبار منظمات الإغاثة في قطاع غزة على إيصال المساعدات عبر مراكز توزيع خاضعة للإشراف الإسرائيلي، في حال وافقت الحكومة على إعادة فتح المعابر.
وقال المكتب الأممي في بيان، الأحد، "لأكثر من 9 أسابيع، منعت السلطات الإسرائيلية دخول أي إمدادات إلى قطاع غزة، بغض النظر عن مدى ضرورتها لبقاء الناس على قيد الحياة".
وقال المكتب الأممي"تخالف هذه الخطة المبادئ الإنسانية الأساسية، ويبدو أنها تهدف إلى استخدام السيطرة على المواد الحيوية كأداة ضغط عسكرية، إنها خطة خطيرة تدفع المدنيين إلى مناطق عسكرية للحصول على الغذاء، مما يعرض حياتهم للخطر، وتُسهم في ترسيخ التهجير القسري".
وذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن "الأمين العام للأمم المتحدة، ومنسق الإغاثة الطارئة أكدا عدم مشاركتهما في أي مخطط لا تلتزم بمبادئ الاستقلالية والحياد".
وحث المكتب الأممي قادة العالم على استخدام نفوذهم لرفع الحصار الخانق عن قطاع غزة وإدخال المساعدات. وأضاف: "ما زالت فرقنا على الأرض في غزة، جاهزة لتوسيع نطاق تسليم الإمدادات والخدمات الحيوية من جديد، نملك مخزوناً كبيراً من المواد الجاهزة للدخول فور رفع الحصار".
من جهتها، أعربت حركة حماس عن رفضها بشدة "تحويل المساعدات إلى أداة ابتزاز سياسي أو إخضاعها لشروط الاحتلال"، مؤكدة أن الآلية المطروحة تمثل خرقاً للقانون الدولي وتنصلاً من التزامات الاحتلال بموجب اتفاقية جنيف، وامتداداً لسياسة التجويع والتشتيت التي تمنح الاحتلال وقتاً إضافياً لارتكاب جرائم الإبادة، ما يتطلب موقفاً دوليًا وعربياً ومصرياً حازماً".
وثمنت الحركة في بيان موقف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الرافض "لأي ترتيبات لا تحترم المبادئ الإنسانية الأساسية، وعلى رأسها الحياد والاستقلال والإنسانية وعدم الانحياز، مشددة على أن الجهة الوحيدة المخوّلة بإدارة وتوزيع المساعدات هي المؤسسات الدولية والحكومية المختصة، لا الاحتلال أو وكلاؤه".
ودعت الحركة المجتمع الدولي إلى "عدم الانخداع بروايات الاحتلال الكاذبة، والعمل فوراً على كسر الحصار بشكل كامل، وفتح المعابر أمام تدفق المساعدات الغذائية والطبية، تحت إشراف الأمم المتحدة وبعيداً عن أي تدخلات عسكرية أو سياسية".