أخبار اليوم - مع استمرار حرب الإبادة على قطاع غزة، تتصاعد المخاوف من محاولات (إسرائيل) لفرض واقع جديد بالقوة العسكرية يفضي إلى تهجير سكان القطاع "قسرًا" أو "طوعًا"، كما تصف بعض التصريحات الرسمية الإسرائيلية، وفي مقدمتها رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بدعم كامل من الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب.
وبينما تتوالى المقترحات التي تروّج لها الدوائر الإسرائيلية والأمريكية بشأن حلول لإنهاء الحرب، قائمة على إخراج سكان غزة من أرضهم، تتزايد في المقابل ردود الفعل الغاضبة من أهالي القطاع، الذين يرون في هذه المخططات استكمالاً لسياسة التطهير العرقي الممتدة منذ نكبة 1948.
صحيفة "فلسطين"، وفي جولة ميدانية داخل مراكز الإيواء وخيام النازحين، استطلعت مواقف وآراء عدد من الذين دُمِّرت منازلهم إبّان الحرب، وقد عبّروا عن رفضهم القاطع لأي محاولة لاقتلاعهم من أرضهم، رغم الدمار والمعاناة المتواصلة للشهر العشرين على التوالي.
"نحن نموت، لكن لن نرحل. باقون هنا، ولن نترك غزة أو نتخلى عنها." هذا ما قالته المسنّة رسمية أبو جليلة، التي لم تجد مأوىً لها سوى خيمة في مركز لإيواء نازحي الحرب، بعد أن قصف الاحتلال منزلها ودمّره بالكامل.
الساعات الطويلة التي تمضيها أبو جليلة تحت ظل خيمة رثّة لا تقيها حرَّ النهار ولا بردَ الليل، لم تعد قادرة على تحمُّلها.
"منزلي كان مكوَّنًا من طابقين، وكانت حياتنا جميلة قبل الحرب، لكن الاحتلال دمّر كل شيء. فهو لا يريد أن يُبقي لنا شيئًا، لدفعنا إلى ترك غزة ومغادرتها." أضافت، وقد دلّت تجاعيد وجهها على حجم المعاناة التي تكبّدتها.
أبو جليلة، امرأة طاعنة في السن، تبلغ من العمر (70 عامًا)، فقدت 30 فردًا من عائلتها شهداء في قصف منزلها بحي الرمال الشمالي بمدينة غزة، وتقيم حاليًا مع الناجين من المحرقة الإسرائيلية تحت ظل خيمتين في مركز الإيواء المقام عند ما يُعرف بدوار أبو علبة، شمالي مدينة غزة.
بين الخيام المتراصة بجوار بعضها، والتي بالكاد تتسع ليسير بينها النازحون، وجد مجموعة من الأطفال ممرًا خاليًا استغلوه للعب والمرح قليلاً. وعلى مقربةٍ منهم وقف أحمد العجل (14 عامًا)، يشاهد الأطفال وقد حرمته إصابته من اللعب معهم.
"لا أتمكن من الحركة والتنقُّل بخفة كما كنت من قبل. هذه هي نتيجة الإصابة في ساقي خلال الحرب." قال العجل، وهو يمسك بعكازين معدنيين.
وأضاف: "جيش الاحتلال تعمَّد قتل الأطفال وسحق أرواحهم، لكن هذه الجرائم لن تدفعنا إلى التخلي والخروج من غزة. هنا وُلدنا، وهنا نموت."
"لكن ما نتطلع إليه هو وقف الحرب، وحماية أرواح الأطفال والمدنيين، وتوفير مقوّمات الحياة والصمود، حتى نتمكن من البقاء."
في شوارع مدينة غزة، حيث الدمار شاهدٌ أساسي على بطش الاحتلال وجبروته، وجد نازحون ملاذًا أخيرًا لنصب خيامهم والمبيت تحتها، بعد التوغُّل البري الواسع وتكرار العدوان على الأحياء والبلدات الشمالية للقطاع الساحلي.
وهيب أبو جراد (45 عامًا)، واحد من هؤلاء المواطنين، لم يجد وعائلته المكوّنة من 7 أفراد سوى خيمة من النايلون أقامها بنفسه، بعدما دمّر جيش الاحتلال منزله في بلدة بيت حانون شمالًا.
"إنها المرة العشرون التي أنزح فيها. لقد أنهكتنا الحرب بمعنى الكلمة." قال أبو جراد، وهو يحاول إشعال فرن الطين لتجهيز الخبز.
وأضاف: "نعلم جيدًا ما يريده الاحتلال من وراء تصعيد عدوانه وقتل الأبرياء وتدمير الحياة في غزة.. إنه يريدنا أن نتخلى عنها ونتركها. لكن هذا لن يتحقق."
وتابع: "يريدون إخراجنا إلى سيناء أو ليبيا أو أي مكان آخر. يظنون أنهم بالقصف والتجويع سيكسروننا، لكننا تعوّدنا الصمود. هذه الأرض لنا، وكل شبرٍ منها سُقي بدماء الشهداء."
وكانت تصريحات نتنياهو بشأن خطة التهجير الطوعي للغزِّيِّين قد عكست طموح حكومته اليمينية، وفي الوقت نفسه أجّجت غضبًا شعبيًا ورسميًا كبيرًا، في وقتٍ يبدي فيه المواطنون في غزة – أطفالًا وشيوخًا ونساءً – إصرارًا على البقاء مهما اشتدَّت المعاناة.
المصدر / فلسطين أون لاين