"أمُّ محمَّد" .. مسنَّة تعيش على الماء وسط تفشِّي المجاعة بغزَّة

mainThumb
"أمُّ محمَّد"... مسنَّة تعيش على الماء وسط تفشِّي المجاعة بغزَّة

24-05-2025 10:48 AM

printIcon

أخبار اليوم - في أحد أركان منزل متصدع غرب مدينة غزة، تجلس أم محمد عاشور، فلسطينية تبلغ من العمر 76 عامًا، على كرسي بلاستيكي مكسور، تحاول أن تروي عطشها بكوب ماء، هو كل ما تملكه للبقاء على قيد الحياة منذ أكثر من أسبوع.

تقول أم محمد، بصوت منخفض ويدين مرتجفتين من الوهن: "أعيش على الماء فقط، دون أي مبالغة. إذا توافر لي رغيف خبز، أقتات عليه ليومين". وتشير إلى أن سعر كيلو الطحين تجاوز 100 شيكل، أي ما يعادل نحو 27 دولارًا، وهو مبلغ لا تستطيع تأمينه. "حتى لو استطعت شراءه، الكمية لا تكفيني ليومين"، تضيف.

أم محمد، التي ولدت عام 1949، بعد عام من نكبة الشعب الفلسطيني، تقول لصحيفة "فلسطين"، إنها لم تشهد في حياتها جوعًا كالذي تعيشه اليوم. "صرنا على وشك أكل التراب"، تقول والدموع في عينيها.

أم محمد اضطرت إلى كسر صمتها، رغم طبيعتها التي تميل إلى الصبر والانزواء، لتوجه نداءً للعالم العربي والإسلامي. "نحن زعلانون منكم! أنتم لا تشاركوننا معاناتنا. لو أن أربع أو خمس دول فقط اتحدت ووقفت في وجه الاحتلال، لما حصل كل هذا!"

وتتابع بغضب واضح: "هل يُعقل أن شخصًا واحدًا – بنيامين نتنياهو – يتحكم بالعالم، ولا أحد يستطيع إيقافه؟ حرام عليكم يا مسلمين! قتلوا شبابنا وأطفالنا، وجوعوا الناس، ودمروا كل شيء".

سبقت كلماتها إعلان المكتب الإعلامي الحكومي في غزة عن دخول 87 شاحنة مساعدات مساء أول من أمس، وهي الدفعة الأولى منذ أن أغلقت (إسرائيل) معابر القطاع في 2 مارس/آذار، وسط حرب إبادة مستمرة منذ أكثر من 18 شهرًا.

ورغم أهمية هذه الشاحنات، إلا أنها لا تغطي سوى جزء ضئيل من الاحتياجات اليومية. ويقول مسؤولون محليون إن غزة تحتاج بين 500 إلى 800 شاحنة إغاثة يوميًا لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية لنحو 2.4 مليون نسمة محاصرين في ظروف قاسية.

ووفق بيانات رسمية، أودت سياسة الحصار والتجويع بحياة 326 شخصًا بسبب سوء التغذية، بينهم أطفال ومرضى، كما سُجلت أكثر من 300 حالة إجهاض خلال 80 يومًا، بسبب نقص الغذاء والعناية الطبية.

وتُظهر أرقام صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة أن سلطات الاحتلال منعت دخول نحو 44,000 شاحنة مساعدات منذ مارس، مما فاقم الأزمة الصحية والغذائية في القطاع. وتشير منظمات إنسانية إلى أن مناطق قطاع غزة باتت تُصنف على أنها "بيئات مجاعة".

أم محمد، التي تعرضت يدها للكسر خلال نزوحها جنوبًا في بداية الحرب، لم تتلقَ العلاج المناسب بسبب انهيار النظام الصحي. "الأطباء يقولون إنني بحاجة إلى كسر اليد من جديد ثم إجراء عملية، لكن لا توجد إمكانيات"، تشرح بصعوبة.

وتستذكر كيف سقطت مؤخرًا من شدة الهزال أمام منزلها، فحملها جارها إلى الداخل. "لم أعد أقوى على المشي. نفسي آكل حبة بندورة، أُتمضمض بها!"، تقول وهي تضحك بخفة ممزوجة بالألم.

وبينما تحاول أم محمد التماسك أمام عدسة الهاتف المحمول الذي يوثق قصتها، تشير إلى أن المأساة الحقيقية ليست فقط في الجوع، بل في "الإهمال العالمي والصمت العربي".

قصة أم محمد ليست فريدة من نوعها. ففي غزة، لا يهدد الموت السكان فقط عبر القصف، بل أيضًا عبر المجاعة، والعزلة، والانهيار الكامل للمنظومة الإنسانية. وبينما تتصاعد التحذيرات الدولية من كارثة وشيكة، يبقى السؤال معلقًا: كم من "أمهات محمد" يجب أن يسقطن من الجوع حتى يتحرك الضمير الإنساني؟.

المصدر / فلسطين أون لاين