أخبار اليوم - عواد الفالح - في ظل استمرار الارتفاعات المتكررة في أسعار المواد التموينية، عاد الجدل مجددًا إلى الواجهة بعد أن بلغ سعر كيلو دجاج النتافات في الأسواق المحلية حاجز الدينارين، في مشهد يعكس عمق الأزمة التضخمية التي يعاني منها المستهلك الأردني، ويطرح تساؤلات حول نجاعة التدخلات الحكومية وآليات التسعير العادلة.
وبرغم تكرار المبررات الموسمية التي تُساق لتبرير الارتفاع — مثل زيادة الطلب في فترات الصيف ورمضان، أو ارتفاع كلف الإنتاج والنقل — إلا أن قطاعات واسعة من المواطنين باتت تعتبر هذه الحجج "أسطوانات مشروخة"، تُعاد بصياغات مختلفة دون معالجة جذرية أو رقابة صارمة على حلقات التوريد والتوزيع.
تراجع الثقة بسياسات السوق
يشير مراقبون إلى أن حالة الإحباط المتراكمة لدى المواطنين تُغذّي اتجاهاً متصاعداً نحو تفعيل أدوات اقتصادية بديلة، وعلى رأسها "المقاطعة"، باعتبارها أحد أبرز أشكال الاحتجاج الاقتصادي الفعّال. ويعزو اقتصاديون تصاعد الدعوات إلى فشل السوق في تقديم آلية توازن بين العرض والطلب، في ظل غياب تسعير منطقي يراعي مستوى الدخل المتآكل للمواطن الأردني.
ويحذّر هؤلاء من أن استمرار غياب الرقابة الحقيقية وتضارب المصالح بين المنتج والموزّع والتاجر قد يخلق بيئة تسعيرية غير مستقرة، لا تستند إلى الكلفة الفعلية وإنما إلى المزاج التجاري وتوقعات الأرباح القصوى.
المستهلك كمحور ضغط اقتصادي
وما يلفت الانتباه في موجة التفاعل الأخيرة هو تحوّل بعض الأصوات من لوم الجهات الرسمية والتجار فقط، إلى تحميل المستهلك نفسه مسؤولية كسر حلقة الاستغلال السعري، من خلال الامتناع الواعي والمنظم عن شراء السلع التي تشهد زيادات غير مبررة.
وتؤكد تجارب اقتصادية عالمية، من أوروبا إلى أمريكا اللاتينية، أن المقاطعة الشعبية أثبتت نجاعتها في أكثر من سوق، وكانت سبباً في تعديل سلوك الموردين والضغط على حكومات لاتخاذ إجراءات تصحيحية، مثل وضع سقوف سعرية، أو دعم مباشر للمستهلك.
غياب البدائل وتحدي التنظيم
لكن في المقابل، يرى بعض المحللين أن نجاح أي حملة مقاطعة مرتبط بوجود بدائل حقيقية في السوق، سواء من حيث السعر أو الجودة، وهو ما لا يتوفر دائمًا في قطاع السلع الأساسية كالدواجن. كما أن المقاطعة الفردية أو الموسمية قد لا تُحدث تأثيرًا فعليًا ما لم تكن جزءًا من تنظيم جماعي واعٍ ومدعوم من هيئات المجتمع المدني.
وفي نهاية المطاف يواجه المستهلك الأردني اليوم معركة مزدوجة: من جهة، التصدي لارتفاعات الأسعار المتكررة، ومن جهة أخرى، السعي للحفاظ على استقرار معيشته في ظل محدودية الخيارات، وغياب سياسات حمائية واضحة. وفي هذا السياق، تبقى "المقاطعة الاقتصادية" خيارًا مطروحًا، لكنها تحتاج إلى إطار أوسع من التنظيم الشعبي والتدخل المؤسسي لتترجم إلى نتائج ملموسة.