حق الدولة في الحياد

mainThumb
د. خالد الحريرات البطوش

24-06-2025 06:30 PM

printIcon

 

 

د. خالد الحريرات البطوش
في روما القديمة ساد منطق ان من ليس معنا فهو ضدنا، وبالرغم من حمل هذه القاعدة على سطوة القوة وصولجان السلطة الا ان منطق المصلحة في الخروج على هذا التقسيم لم يعدم السبب ولا الوسيلة لينأى بمن لاذوا به بعيدا عن غبار المعارك وليسجل في سفر تاريخ الصراعات فصلا غير الحرب ويطبع ممارسات دولية غير قليلة من أنماط الحكم وأساليب السياسة بعدم الانحياز بداع الحكمة حينا ودواعي المنفعة أحيانا، والحياد بهذا الارتباط الوجودي بالصراعات قديم قدم الحرب ذاتها، ولكنه لم يبدأ بالاستقرار كمبدأ في القانون الدولي الا في وقت متأخر حتى القرن السابع العاشر ضمن بعض المعاهدات الثنائية في أوروبا خلال حرب الثلاثين، وفي القرن العشرين لم ينظم الحياد في معاهدات دولية مستقلة، وانما تناثرت احكامه في عدد من الاتفاقيات أهمها اتفاقية لاهاي بشأن حقوق وواجبات الدول المحايدة والأشخاص المحايدين في حالة الحرب البرية لعام 1907، وإعلان لندن لعام 1909 وعام 1913، ورغم غياب النص على حرمة المجال الجوي في المعاهدات القديمة الا ان القانون الدولي العرفي وما يرتبط به من اتفاقيات يؤكد هذه الحرمة ومنها اتفاقية لاهاي بخصوص الحرب الجوية والصواريخ في مادتها رقم 170 التي تنص على حظر توغل او عبور الطائرات العسكرية المحاربة بما في ذلك الطائرات بدون طيار وكذلك اطلاق الصواريخ في المجال الجوي المحايد.

وينصرف معنى الحياد كأحد مفاهيم القانون الدولي الى عدم مشاركة الدولة في الحرب والامتناع عن تقديم المساعدة الى أي من أطراف الصراع، والطبيعة الالزامية التي يخلقها هذا الخيار تنشئ أيضا للدولة المحايدة وبالتوازي حقا في التحرر من تبعات الصراع الذي اختارت ان تنأى بنفسها عن التورط فيه، ابتداء من الكف عن لومها والتحريض عليها جراء هذا القرار الى حد ضمان سيادة اقليمها وسلامة مواطنيها من ان يطالهم ضرر او يروعهم خطر.

في المواجهة الحالية بين إيران وإسرائيل التزم الأردن الحياد، وهذا الخيار موقف قانوني وسلوك سياسي، قانوني لانه يستند الى مواثيق دولية تكفل لكل دولة ان تلوذ بالحياد في حالة الحرب، وسياسي بوصفه ممارسة دولية تبعث الواقعية في نصوص الاتفاقات الدولية وتمثل امتدادا لإرث تاريخي على مر العصور تعتصم فيه الدول بسيادتها وتنحاز الى قناعتها او ترجح ان مصالحها تكمن في تجنب الصراع لا في خوضه وان تلك المصالح يمكن رعايتها عندما تخبو نار الحرب وليس حين تشتعل.

مع كل هذه الشرعية التي يتدثر بها الحياد ومع ازدحام اللجوء اليه بكل هذا الزخم في الممارسات الدولية، كيف يمكن لاي احد ان ينكر على الدولة الاردنية حقها باتخاذ موقف غير منحاز في هذا الصراع الطاحن بين قوتين لكل منها مشروعها ومصالحها الذاتية، واذا كان قدر الاردن الجيوسياسي ان يقع بين نيرانهما فان مصلحته الا يتورط في لهيبها، وان ينجو بنفسه من حريق تلك النار التي قدحت شرارتها الاطماع والمخاوف قبل أن تشعلها الصواريخ والمسيرات، ويتصل بهذا الحق السماح بكل الأدوات واجازة جميع الوسائل التي تتيح ممارسته وتحقق المصلحة التي ينشدها وفي مقدمتها حماية الأجواء الأردنية من المسيرات والصواريخ بالقدر الذي يدرأ خطرها عن الأراضي الأردنية، وفي ذات الوقت لا يثير شبهة الانحياز الى طرف من اطلقت باتجاهه تلك المقذوفات في حدود أحكام اتفاقية باريس المتعلقة بتنظيم الملاحة الجوية لعام 1919التي تؤكد سيادة الدولة على مجالها الجوي.