أخبار اليوم - في خيمة بيضاء مهترئة نُصبت على قارعة الطريق بين أنقاض المباني غرب مدينة غزة، جلست وفاء أبو جراد، وهي امرأة أربعينية، تلف رأسها بقطعة قماش مبللة علّها تخفف شيئًا من الحرارة التي بلغت ذروتها هذا الأسبوع. الهواء خانق، والخيمة تحولت إلى فرن من القماش، والماء -إن وُجد- لا يكفي لغسل الوجوه أو تبريد الأجساد المتبعة.
تقول وفاء، وقد بدا الإرهاق واضحًا على وجهها الذي لفحته الشمس لـ "فلسطين أون لاين": "كأننا نُعاقب لأننا على قيد الحياة. الخيمة لا ترد شمسًا ولا تقي بردًا، والماء شحيح، والناس تلهث وراء صهاريج توزع القليل على كثير."
معاناة أم خالد ليست سوى مشهد من مشاهد كثيرة تتكرر في مخيمات النزوح المنتشرة في أنحاء القطاع الساحلي، حيث تقطن آلاف العائلات التي دمرت آلة الحرب الإسرائيلية منازلهم وأجبرتهم على ترك مناطق سكنهم، ليجدوا أنفسهم في خيام لا تصلح للحياة الآدمية.
تحت شمس يوليو/ تموز اللاهبة، ومن دون مياه أو كهرباء أو أدنى مقومات الحياة، أصبحت حياة هؤلاء النازحين كابوس لا ينتهي.
في شارع آخر من شوارع حي الرمال الشمالي، كان شحدة أبو صلاح (24 عامًا) يحاول تثبيت قطعة قماش سميكة فوق خيمته علها تخفف من دخول أشعة الشمس. يقول وقد تصبب عرقًا: "لا نملك أي مقومات حياة هنا. الحرارة تذيب الجلد، وأطفالي يبكون طوال الليل من شدة العطش والضيق. لم أتخيل أن نعيش يومًا كهذا ونحن في بلدنا."
بحسب بيانات منظمات إنسانية عاملة في غزة، فإن أكثر من مليون نازح في قطاع غزة يعيشون في ظروف غير صحية، وسط نقص حاد في مياه الشرب والنظافة. درجات الحرارة تجاوزت معدلاتها الطبيعية في الأيام الأخيرة، ما زاد من خطر انتشار الأمراض الجلدية وضربات الشمس، خاصة بين الأطفال وكبار السن.
حنين الكفارنة، وهي أم لطفلين -ولد وبنت- تعيش في خيمة نصبتها بين ركام المنازل المدمرة في مدينة غزة، بعدما أجبرتها الحرب على ترك بلدة بيت حانون، حيث كانت تسكن وعائلتها قبل الحرب الإسرائيلية التي بدأها جيش الاحتلال في أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
تقول: "نستيقظ عند الفجر لنملأ بعض الجالونات والزجاجات قبل أن ينفد الماء العربات التي تأتي بها. لا يوجد ماء يكفي للاستحمام أو حتى غسل اليدين. الرائحة داخل الخيمة خانقة، وأنا قلقة من إصابة أطفالي بالأمراض."
وتضيف حنين، وهي تنظر إلى طفلها الذي نام على الأرضية الساخنة: "كل يوم يمر أصعب من الذي قبله. نحن في معركة صعبة مع الحرب التي أفقدتنا حياتنا واستقرارنا."
رغم النداءات اليومية التي تطلقها وزارة الصحة والبلديات والمنظمات الدولية، إلا أن الاستجابة لا تزال محدودة للغاية. الحصار الخانق، واستمرار العدوان، وتعطيل إدخال المساعدات، كلها عوامل فاقمت الأزمة، وتركت النازحين يواجهون مصيرهم دون دعم كافٍ.
في قطعة أرض كانت مليئة بركام الحرب، وجد أيمن الكفارنة (45 عامًا)، ملاذًا أخيرًا لإقامة خيام لإيواء أفراد عائلته بعد تنظيف الأرض وإزالة جميع الأنقاض من داخلها. جلس أيمن، وهو رب أسرة من سبعة أفراد، بجوار وعاء ماء صغير يحتفظ به تحت مع قطعة قماش صغيرة.
يقول: "أنا رجل مريض بالقلب، ولا أتحمل هذا الحر، لكن لا مكان نذهب إليه. خيمتنا لا تحتملنا، والناس يتساقطون من التعب. الماء شحيح، وبعض الجيران بدؤوا يشترونه بينما لا نملك نحن المال لشراء للطعام."
ويتابع بصوت منخفض: "نحن لا نطلب شيئًا مستحيلاً. فقط نريد ما يحفظ كرامتنا كناس فقدوا بيوتهم، لا إنسانيتهم."
فلسطين أون لاين