د. عايش النوايسة - خَبير و مستشار تربوي
إدراكاً للأهميةِ المحوريةِ للتعليمِ في عمليتيْ التطويرِ والتنميةِ، شرعتِ الدولُ في تطويرِ منظوماتِها التربويةِ بما يَتواءمُ مع مُتطلباتِ العصرِ وتوقعاتِهِ. وعليهِ، تَرُكِّزُ الاستراتيجياتُ الحديثةُ على إعدادِ الطلبةِ لِلحياةِ، من خلالِ تزويدِهِم بأدواتِ إنتاجِ المعرفةِ والابتكارِ. هذا الهدفُ يتطلَّبُ وجودَ المعلِّمِ المُلهمِ والقُدوةِ، القادرِ على بناءِ جيلٍ مُبدعٍ ومُبتكِرٍ، وذلكَ عبرَ تطبيقِ مناهجَ ناميةٍ ومرنةٍ ومُتطوِّرةٍ تُدرَّسُ في مدرسةٍ عصريةٍ. ولِتحقيقِ هذهِ الغايةِ، باتَ لِزاماً تبنِّي نظامٍ مهنيٍّ شاملٍ يَرتبطُ بأداءِ المعلِّمِ، يَستندُ إلى التحفيزِ ويرتبطُ بمسارٍ وظيفيٍّ مُحدَّدٍ.
من هذا المنطلقِ، جاءَ إصدارُ نظامِ إجازةِ مهنةِ التعليمِ لِيُرَكِّزَ على الأداءِ المهنيِّ لِترخيصِ المعلِّمينَ ضمنَ مسارٍ وظيفيٍّ نامٍ ومُتطوِّرٍ. وتهدِفُ الإجازةُ المهنيةُ إلى ترسيخِ مكانةِ مهنةِ التعليمِ والمعلِّمِ في المجتمعِ، وتشجيعِ الإقبالِ على المهنةِ وضمانِ عدمِ تسرُّبِ ذوي الكفاءاتِ، وتحسينِ أداءِ المعلِّمِ من خلالِ تحفيزِهِ على اكتسابِ معارفَ وخبراتٍ جديدةٍ. كما تسعى إلى منحِ المعلِّمِ حوافزَ ماديةً ومعنويةً مبنيةً على الكفاءةِ والإنتاجيةِ، وتحديدِ مساراتٍ مهنيةٍ وقياديةٍ مُتخصِّصةٍ، إلى جانبِ تنظيمِ تقييمِ وتصنيفِ المعلِّمينَ، مما ينعكسُ إيجاباً على أدائِهِم المهنيِّ.
يَهدِفُ مشروعُ النظامِ إلى تنظيمِ ممارسةِ مهنةِ التعليمِ في المملكةِ، باعتمادِ إجازةٍ رسميةٍ تمنحُها وزارةُ التربيةِ والتعليمِ، كشرطٍ أساسيٍّ لِممارسةِ المهنةِ في جميعِ المؤسساتِ التعليميةِ، وبما يَكفلُ حمايةَ حقِّ الطلبةِ في تعليمٍ مُتميِّزٍ، ويَضمَنُ تولِّي المهنةِ من قِبلِ أشخاصٍ يمتلكونَ التأهيلَ العلميَّ والمهنيَّ اللازمَ، مما يعزِّزُ كفايةَ المنظومةِ التربويةِ. بِموجبِ هذا النظامِ، يُعتبرُ كلُّ مُعلِّمٍ يعملُ حاليَّاً في المؤسساتِ التعليميةِ (في القطاعينِ العامِّ والخاصِّ) حاصلاً على إجازةِ مُزاولةِ مهنةِ التعليمِ حُكماً. بينما ينطبقُ النظامُ على المعلِّمينَ الذينَ سيتمُّ تعيينُهُم في المستقبلِ بدءاً من العامِ الدراسيِّ 2027 – 2028م. وسيتمُّ إرساءُ إطارٍ قانونيٍّ مُوحَّدٍ لِمنحِ إجازةِ مُمارسةِ مهنةِ التعليمِ وتجديدِها، تسري معاييرُهُ على العاملينَ في القطاعينِ العامِّ والخاصِّ، والمؤسساتِ التعليميةِ التابعةِ للقواتِ المسلحةِ ووكالةِ الغوثِ.
ويَهدفُ المشروعُ إلى تعزيزِ القدراتِ والكفاياتِ المهنيةِ للمعلمينَ من خلالِ اجتيازِ اختباراتِ مُمارسةِ مهنةِ التعليمِ، مما يرفعُ مستوى الأداءِ التربويِّ والمستوى التعليميِّ للطلبةِ. ويتطلَّبُ ذلكَ وجودَ هيئةٍ تتولَّى عمليةَ الترخيصِ وفقَ ضوابطَ مُحدَّدةٍ. وعلى الوزارةِ توفيرِ برامجِ التنميةِ المهنيةِ وإدارتِها والإشرافِ على تنفيذِها، حيثُ تُطوِّرُ منهاجَ التنميةِ المهنيةِ وتُحدِّدُ أُسسَ احتسابِ الساعاتِ المعتمدةِ (الإجباريةِ والاختياريةِ) لِكلِّ فئةٍ ومستوى. كما تُحدِّدُ أُسسَ اعتمادِ مزوِّدي الخدمةِ والمُدرِّبينَ الخارجيينَ لِتمكينِ الراغبينَ في التنميةِ المهنيةِ.
ويَشملُ نظامُ تقييمِ الأداءِ، الذي تُحدِّدُ الوزارةُ سياستَهُ وفقَ منظومةِ النزاهةِ والشفافيةِ، مكوِّنَينِ رئيسيينِ: الأداءُ الوظيفيُّ الفعليُّ بناءً على مؤشراتِ أداءٍ تستندُ لِلمعاييرِ المهنيةِ، والإنجازاتُ المهنيةُ النوعيةُ التي تُطوِّرُ الأداءَ وتنعكسُ إيجاباً على تعلُّمِ الطلبةِ (كالأبحاثِ الإجرائيةِ والمشاريعِ). وتُحدِّدُ الوزارةُ أُسسَ احتسابِ هذهِ الإنجازاتِ والنقاطِ المعتمدةِ، وتُطبِّقُ سياسةَ تقييمِ أداءٍ داخليٍّ وخارجيٍّ عادلةٍ.
الأصلُ أنْ تُمنحَ رخصةُ المهنِ التعليميةِ لجميعِ الفئاتِ والمستوياتِ لِمدةِ سبعِ سنواتٍ كحدٍّ أقصى. ويُشترطُ لِتجديدِ الإجازةِ اجتيازُ مُتطلباتِ التنميةِ المهنيةِ الإجباريةِ، وألاّ يقلَّ مُعدَّلُ أداءِ المعلِّمِ المهنيِّ في تقاريرِ السنتينِ الأخيرتينِ عن 60%، بالإضافةِ إلى اجتيازِ اختبارِ الإجازةِ في المستوى والفئةِ التي يتمُّ التقدُّمُ بطلبِ التجديدِ فيها. ويَقسِمُ نظامُ الإجازةِ المعلِّمينَ ضمنَ فئاتٍ مهنيةٍ متدرِّجةٍ هي: المعلِّمُ المُرخَّصُ، والمعلِّمُ المُختصُّ، والمعلِّمُ الأوَّلُ الذي يُزاولُ أيضاً مهنةَ التدريبِ، والمعلِّمُ الخبيرُ الذي يَعتمَدُ كمدربٍ ومقيِّمٍ ومُعدٍّ للمناهجِ والاختباراتِ الوطنيةِ. يُشكِّلُ هذا النظامُ مُواءمةً لِلتشريعاتِ الناظمةِ مع التوجُّهاتِ الوطنيةِ والاستراتيجياتِ الراميةِ لِتنميةِ المواردِ البشريةِ وتحديثِ القطاعِ العامِّ، ومن شأنِهِ أنْ يُحدِثَ انعكاساً كبيراً على كفايةِ المنظومةِ التربويةِ وجودتِها الشاملةِ.