مختصون يتحدثون لـ "أخبار اليوم" عن تشريعات وأخلاقيّات النشر في حرب غزة

mainThumb
الزميلان محسن والراعي

23-01-2024 12:30 PM

printIcon

الراعي: يجب على الصحفي ألَّا يرقص ووسيلته الإعلاميّة على جثث الضحايا.

محسن: نشر صور أحداث غزّة أولى من التقُّيد بأخلاقيات الصَّحافة.

أخبار اليوم – سمير الصمادي – أكثر من 100 يوم على بداية حرب غزّة، وما زال المُشاهد والمُتابع يرى بأم عينه الدماء المتناثرة والأشلاء المُمزَّقَة وأجساد تغيّرت ملامحها، وفيديوهات بالصوت والصورة تنقل أنين الجرحى، وتبث أوجاع الضحايا وذويهم، وتُسمِع العالم صُراخ الأمهات الثكلى والأطفال الجِياع، وتُظهِر ملامح الخوف والصَّدمة على وجوه الناجين من هذه الحرب، من خلال الأخبار والتقارير التي تبثها وسائل الإعلام المحليّة والعربيّة والعالميّة.


وما بين مؤيدٍ ومعارض لنشر تلك الصور والفيديوهات؛ تُطرَح العديد من الأسئلة منها: هل يجوز النشر؟ ماذا نستفيد؟ وما الغاية من ذلك؟ وما رأي القانون والتشريعات؟ وأين دَور أخلاقيات النشر؟ ومن جهةٍ ثانية كيف سيعرف العالم أهوال وفظائع ما يحدث في هذه الحرب؟ ومن سَيُوثِّق جرائم الاحتلال دون صورة واقعيّة تُعبِّر عن حجم المأساة؟


الراعي: الكلمة الجيّدة ذات المعنى خير من صورة خادشة للمشاعر الإنسانيّة


المختص بالتشريعات الإعلاميّة الدكتور أشرف الراعي بيّن لـ "أخبار اليوم"، أنِّه في ظل التطور الهائل الذي تشهده وسائل الإعلام والانتقال من الإعلام التقليدي إلى الإعلام الرقمي، لا بد أن يكون هناك ضوابط أخلاقيّة في أي تغطية إعلاميّة، خاصةً ما يُنشر من أخبار قطاع غزّة.


وأضاف الراعي أنَّه لا يجوز نشر صور وفيديوهات لأشلاء الضحايا، ولا يجوز إجراء المقابلات مع المصابين أو مع أقربائهم وهم في حالة الضَّعف والأسى والحزن خاصَّةً الأطفال، لكن من الممكن النشر وإيصال الرسائل والحديث عن المعاناة وتغطية الانتهاكات الإسرائيليّة وتوضيح الحقائق دون المساس بحقوق وحريّات الآخرين؛ كتصوير الأشلاء والدماء وحالات الإغماء والبكاء وغيرها، فالكلمة الجيّدة ذات المعنى خير من صورة خادشة للمشاعر الإنسانيّة.


ويعزو الراعي ذلك لعدِّة أسباب منها: أنَّ المُشاهِد سيألف ويعتاد رؤية الدم ما يؤثر في حالته النفسيّة، وفي طبيعة حياته اليوميّة، فالنشر بهذه الطريقة فيه انتهاك لخصوصيّة الضَّحيَّة واعتداء على حرمة حياته الخاصَّة، ومن الممكن تسليط الضوء على إجرام الاحتلال وهمجيّته وغطرسته دون المساس والتعرّض لإنسانيّة الإنسان، وعلى الصّحفي ألَّا يرقص ووسيلته الإعلاميّة على جثث الضحايا.


ويقول الراعي إنَّ المادَّة 4 من قانون المطبوعات والنشر تنص على أن "تمارس الصَّحافة مهمتها بحرية في تقديم الأخبار والمعلومات والتعليقات، وتسهم في نشر الفكر والثقافة والعلوم في حدود القانون، وفي إطار الحفاظ على الحريات والحقوق والواجبات العامة واحترام حرية الحياة الخاصة للآخرين وحرمتها".


وأضاف الراعي أنَّ المادة 7 من قانون المطبوعات والنشر تنص على أنَّ "آداب مهنة الصحافة وأخلاقياتها مُلزمَة للصحفي"، وتشمل احترام الحريات العامة للآخرين وحفظ حقوقهم وعدم المس بحرمة حياتهم الخاصة.


وأوضح أنَّ ميثاق الشرف الصحفي الأردني تطرَّق إلى احترام سمعة الأُسر والحياة الخاصة للمواطنين من خلال مادَته 11 والتي تنص على أن "يلتزم الصحفيون باحترام سمعة الأسر والعائلات والأفراد وسرية الأمور الخاصة بالمواطنين، وذلك طبقًا للمبادئ الدوليّة وأخلاقيات العمل الصحفي والقوانين المعمول بها في المملكة".


مضيفًا أنَّ على الصحفي أن يسأل نفسه قبل النشر؛ إن كان ما سينشُره سيُحقق مصلحة عامَّة أم لغرض جلب المشاهدات، وألَّا ينسى أنَّ الحرب ستنتهي وستبقى هذه الصور في أذهان المشاهدين والناجين منها طوال حياتهم، ما يعني أنَّ الحزن سيلازمهم طويلًا دون نسيان ما جرى.


وعن كيفيّة أن يوازن الصحفي بين متطلبات وضرورات النشر وبين الأخلاقيات والتشريعات، بيّن الراعي أنَّه من الصعب أن يكون هناك توازن مُطلق، لكن من الممكن اتِّخاذ التدابير التي من شأنها حماية خصوصيّة الآخرين؛ كإخفاء الملامح والإشارة بالعبارات التي توصِل الفكرة دون تصريحٍ واضحٍ، والتحذير من طبيعة محتوى الصور قبل نشرها وعدم تكرارها أكثر من مرّة والنشر بتوقيتات محدَّدة.


محسن: الغاية من نشر صور قطاع غزّة هو نقل بشاعة المشهد ومخاطبة الضمير العالمي

من جهتها، أوضحت الصَّحفيّة المختصَّة في مراقبة المحتوى عهود محسن، أنَّ نشر الصور -التي تُظهِر حالات الصَّدمة والخوف خاصَّةً ما يتعلق بالأطفال في حالات الحروب والصراعات- يحتاج إلى الضبط والسيطرة أكثر من الأوقات الاعتياديّة.


وأضافت أنَّ وسائل الإعلام المحليّة سلطت الضوء على انتهاكات الاحتلال للقانون الدولي الإنساني، وشاركت في نشر التوعية الشعبيّة حول ما يدور من عدوان على القطاع، وأسهمت بتشكيل رأي عام يسعى لكسب التأييد للقضية الفلسطينيّة.

ترى محسن أنَّ الصَّحفي والمواطن الأردني تحمَّلا بشاعة المشهد في سبيل تحقيق غاية فُضلى وسامية وهي مخاطبة الضمير الإنساني العالمي ونقل هموم ومعاناة قطاع غزّة.


في الحالة الفلسطينيّة ومع محاولة الإعلام الإسرائيلي التظليل وتشويه الحقائق وسرد روايته الخاصّة، تعتقد محسن أنَّ بعض الحالات تقتضي تقديم المصلحة العامّة في نقل المشهد على طبيعته كما هو؛ وإلّا ضاعت الحقوق وزُيَّفت الحقائق.


وبيّنت أنَّ أهوال ما يجري في القطاع أعظم من انتهاكات النشر، وأنَّ الغاية من تلك الصور والفيديوهات هو نقل بشاعة المشهد هناك، وأنَّ الضَّرر الحاصل جرَّاء نشرها أولى من التقيُّد بأخلاقيات الصَّحافة، وفق ما تقتضيه المصلحة العامة.


ونوَّهت محسن إلى أنَّ الإعلام الغربي لم يكن محايدًا، ولم ينقل بشاعة ما يجري وقلَّل من شأنه، بل وسحب مراسليه من القطاع، وضيق على حسابات ومواقع التواصل الاجتماعي التي تنشر ما يجري هناك؛ فكان لا بُدَّ من وجود إعلام يتصدى لزَيفِهم، ويسلّط الضوء على أحوال القطاع ومعاناة أهله.


ودعت محسن وسائل الإعلام المحليّة للاستمرار في فضح الاحتلال وتعريته وكشف مجازره.