الدكتور محمد أبو هديب
في خضم واحدة من أعظم الكوارث الإنسانية في العصر الحديث، حيث تُباد غزة علنًا أمام عدسات العالم، وتُهدم البيوت على رؤوس أهلها، ويُمنع الدواء والماء والغذاء، يخرج علينا موقع إعلامي، يُدار من لندن، بمادة مشوهة، مغرضة، ومليئة بالتلفيق، يستهدف فيها الأردن، ليس عن جهل، بل عن سابق إصرار وترصّد.
هذا الأردن، الذي فتح معابره، وأرسل مستشفياته، وحوّل سماءه إلى ممرات جوية لإنزال المساعدات، وأرضه إلى منطلق للقوافل، وموازنته إلى حساب إنساني مفتوح، يُتّهم اليوم — بوقاحة غير مسبوقة — بأنه يتربّح من دم أهل غزة!
أي انحطاط هذا؟! وأي فجور في الخصومة تجاوز كل الخطوط؟
المجلة، سيئة الصيت، والتي لم نسمع لها همسة على مجازر الاحتلال، ولا مقالة على بشاعة الإبادة الجماعية، تجاهلت بدم بارد تقارير الأمم المتحدة، وصور الجثث تحت الأنقاض، وتقرير كل منظمة حقوقية أدانت الاحتلال، وركّزت سهامها الكاذبة على الأردن.
الأردن، الذي لم يكن يومًا طرفًا في الصراعات، بل كان دائماً في صف الضحايا، تحوّل في عيونهم إلى “مستهدف”، لأن موقفه صلب، وضميره لا يُساوَم، وقيادته لا تُشترى.
من يتابع تفاصيل المادة التي نشرها ذلك الموقع يدرك فوراً أن "النية مبيتة"، فهل يُعقل أن ترسل أسئلة مفتوحة، اتهامية، في نهاية يوم عمل، وتمنح جهة رسمية ثلاث ساعات فقط للرد عليها؟ هذا ليس تحقيقًا صحفيًا، بل كمين إعلامي صبياني، فقد هدفه الأخلاقي قبل أن يُكتب.
لماذا تجاهلوا كلفة الإنزالات الجوية التي بلغت في بعض الأحيان 450 ألف دولار للعملية الواحدة؟ لماذا لم يذكروا أن الأردن لم يمسّ فلساً واحداً من التبرعات؟ ولماذا تجاهلوا أن الكلف دفعتها المملكة من خزينتها العامة، في وقت تعاني فيه هي من ضغوط اقتصادية هائلة؟ الجواب واضح: لأن الحقيقة لا تخدم أجندتهم.
أسوأ من الكذب، هو التوقيت، ففي ذروة الحاجة للدعم والتضامن، يخرج هؤلاء ليشككوا في الجهة الوحيدة التي لم تتخلّ عن غزة يوماً. بينما كانت بعض الدول تحصي أرباحها السياسية من الحرب، كان الأردن يُرسل خبزه ودواءه بلا إعلان ولا استعراض.
إن ما ارتكبه هذا الموقع لا يُعتبر إساءة للأردن فقط، بل خيانة لضحايا غزة الذين تاجر باسمهم، وترك الجلاد، وهاجم المسعف.
ختامًا، لن تمر هذه الفبركة مرور الكرام. فالأردن، بقيادته الهاشمية وشعبه النبيل، لن يقبل أن يُشوَّه وجهه الإنساني. والمحاسبة قادمة، قانونياً، وأخلاقياً، وإعلامياً.
الأردن أكبر من أكاذيبكم، وأشرف من أن يكون موضوعًا في أجنداتكم السوداء.
احفظوا صمتكم، فهو أكرم من هذا الكذب المفضوح.