كتب محمد جميل الخطيب
في ظل التحديات المتزايدة التي تواجهها البلديات، من تعقيدات إدارية وتراكم للمطالب الخدمية، تبرز الحاجة إلى قيادة تمتاز بالحزم والانضباط والقدرة على إدارة الأزمات واتخاذ القرار في الوقت المناسب. من هذا المنطلق، يطرح تعيين الضباط المتقاعدين من رتبة عميد فما فوق كرؤساء للبلديات نفسه كخيار استراتيجي يستند إلى تراكم الخبرة ودقة الأداء، وليس إلى المجاملة أو التقدير الرمزي.
فالضباط الذين خدموا الوطن في مواقع عسكرية متقدمة يملكون سجلاً حافلاً في القيادة تحت الضغط، وإدارة الفرق، وتنفيذ الخطط وفق جداول زمنية صارمة، وهم يدركون أهمية العمل وفق الأنظمة والتعليمات ويتميزون بدقة في التنفيذ لا تتوافر في كثير من القيادات المدنية التقليدية.
إن انضباطهم المؤسسي لا يقتصر على الجانب التنظيمي فقط، بل يمتد إلى قدرتهم على غرس روح الالتزام في فرق العمل، وتحفيز الموظفين نحو الأهداف من خلال أساليب قيادة مدروسة ومجربة ميدانياً.
ولا يمكن إغفال ما تحمله هذه الفئة من إحساس عميق بالمسؤولية تجاه الوطن والمواطن، وهو ما يجعلهم يستمرون في العطاء بعد التقاعد بروح وطنية صادقة، لا تطمح إلى مكسب شخصي بقدر ما تهدف إلى خدمة المجتمع وتحقيق المصلحة العامة..... فعندما يقود هؤلاء الضباط العمل البلدي، فإن النتائج تتجاوز تحسين الخدمات، لتشمل تعزيز الشفافية، وضبط الأداء، ومكافحة مظاهر الفساد المالي والإداري التي تعيق التنمية المحلية وتؤثر على ثقة المواطن في مؤسساته.
كما أن إدارتهم للمشاريع تسير عادة وفق معايير صارمة في التخطيط والتنفيذ، مما يقلل من الهدر ويرفع كفاءة الإنجاز، خاصة في مشاريع البنية التحتية والخدمات العامة، إلى جانب ذلك، فإن حضورهم في المشهد المحلي يعزز الشعور بالأمن والاستقرار لدى المجتمع، لما يحملونه من هيبة ومكانة، وقدرة على فرض النظام دون تصادم مع المواطنين.
من هنا، فإن تعيين الضباط المتقاعدين من رتبة عميد فما فوق ليس مجرد تكريم لمسيرتهم العسكرية، بل هو توجه عملي ومدروس نحو تفعيل البلديات بأسلوب احترافي، وخلق بيئة إدارية قائمة على الكفاءة والانضباط والشفافية...... إنه استثمار حقيقي في رأس مال بشري متمرس، قادر على صنع الفارق في مسيرة التنمية المحلية، بعيداً عن الشعارات، وبالاعتماد على الخبرة والتجربة والانتماء العميق لهذا الوطن.