أخبار اليوم - "ابني يذهب لجلب المساعدات بحذاء بلا نعل.. أخيط له ما أستطيع من ثيابه القديمة، وأغطي جسده بما تبقى من ملابس مهترئة"، تقول صباح إبراهيم، وهي أم لخمسة أطفال، تسكن في خيمة على الأطراف الغربية لمدينة غزة بعدما دمر جيش الاحتلال منزل عائلتها في حي الشجاعية شرقي المدينة. وتضيف بحرقة: "نحن لا نبحث عن الجديد، فقط نريد ما يسترنا".
في قطاع غزة، لم تعد المعاناة مقتصرة على الجوع وانعدام الأمان بفعل حرب الإبادة المستمرة للشهر الـ22 على التوالي، بل امتدت لتشمل أدق تفاصيل الحياة اليومية: الثياب والأحذية. فمنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتشديد الحصار المفروض، منع جيش الاحتلال إدخال معظم السلع والمنتجات، ومن بينها الملابس الجاهزة والأحذية، ما أدى إلى أزمة حادة وغير مسبوقة في هذا الجانب من الاحتياجات الأساسية.
في الأسواق القليلة التي ما تزال قائمة، لا يجد المواطنون سوى بقايا بضائع قديمة بأسعار فلكية.
"هذه قطعة ملابس ثمنها 40 شيكلًا! من يملك هذا المبلغ؟"، يتساءل زياد عبد الفتاح (52 عامًا)، وهو موظف سابق كان يعمل في ورشة خياطة دُمّرت خلال الحرب.
ويُكمل: "ملابس أطفالي ممزقة، والبرد سيعود بعد شهرين. لا أعلم كيف سأحميهم من البرد أو من نظرات الناس عندما يخرجون من الخيمة بملابس مهترئة".
ويشير عبد الفتاح إلى أنه حاول تفصيل ملابس من أقمشة بالية حصل عليها من مراكز توزيع المساعدات، لكن دون جدوى: "الثياب ممزقة، غير صالحة، والأقمشة لا تكفي. حتى الإبر والخيط ارتفع ثمنها".
منذ بدء الحرب، دمّر جيش الاحتلال معظم مناطق الصناعة والخياطة والمصانع الصغيرة في القطاع، ما أدى إلى توقف تام في خطوط الإنتاج المحلية، والتي كانت -رغم تواضعها- تغطي جزءًا من احتياجات السكان. أما الاستيراد، فقد أوقفته سلطات الاحتلال بشكل شبه كامل، بذريعة "الدواعي الأمنية"، ما تسبب في انعدام شبه تام للملابس والأحذية الجديدة.
رنا سعيد (32 عامًا)، نازحة في مدينة غزة، تقول إنها لم تشترِ قطعة ملابس منذ بدء الحرب: "ألبس ما كنت أرتديه منذ العام الماضي. كل شيء تغيّر إلا ثيابي. ومع الحرب، نقص الماء، فباتت الملابس متسخة طوال الوقت. لا كهرباء لنغسل، ولا مياه كافية لتنظيفها".
وتصف مشهد النساء في مخيم النزوح: "نغطي أرجلنا بقطع من البطانيات الممزقة حين نخرج. الحذاء الوحيد الذي أملكه مهترئ ومشقوق، لكنه ما زال يصلح للمشي".
أما معاناة الأطفال فهي الأقسى، لا سيما في مراكز الإيواء وعلى قارعة الطريق في مدينة غزة، حيث تنتشر خيام النزوح بكثافة عالية.
يقف الطفل خالد حمادة (11 عامًا) حافي القدمين قرب خيمته. وتقول والدته، أم خالد: "لقد كبر، ولم يعد حذاؤه القديم يناسبه. بحثت في المخيمات، سألت الجمعيات، ولم أجد مقاسًا له".
وتضيف: "أضطر أحيانًا إلى لف رجليه بأكياس نايلون، أو أتركه حافي القدمين حين يذهب للعب مع أصدقائه. هذا كل ما أستطيع فعله".
وتطالب منظمات حقوقية بالسماح الفوري بإدخال الملابس والأحذية إلى القطاع، ضمن الاحتياجات الإنسانية العاجلة، معتبرة أن منعها يُعد شكلاً من أشكال العقاب الجماعي، ويهدد كرامة الناس وصحتهم النفسية.
ويقول أحمد شاهين، صاحب محل لبيع الملابس: "محلي مغلق منذ 7 أشهر. لم يعد لديّ بضائع كثيرة ولا زبائن. ما تبقى من الملابس لا يُباع، لأن الناس لا يملكون المال. حتى من يملك مالًا، يفكر في الأكل قبل القماش".
أمام خيمتها الصغيرة التي أقامتها غرب مدينة غزة، تجلس رنا درويش وأطفالها الثلاثة حفاة الأقدام، بعدما ضاقت بهم السبل في العثور على أحذية لهم. تقول: "نحتاج إلى الطعام، نعم، لكننا نحتاج أيضًا إلى ستر. أطفالنا لا يملكون شيئًا، حتى الكساء لم يعد متوفرًا. لم نعد نعيش فقط في حرب على الحياة، بل في حرب على الكرامة"
فلسطين أون لاين