أخبار اليوم - لم يدر بخلد الشاب رجب نصر " ٣٠ عاما" الذي صمد في شمال قطاع غزة ولم ينزح ولو ليوم واحد مع ذويه، ونجا من أهوال متعددة هناك، أن يكون مشواره الاستطلاعي لمصائد الموت الأمريكية في جنوب قطاع غزة سببا في معاناة مع الإصابة والألم.
وخلال اجتياح الاحتلال الإسرائيلي لشمال قطاع غزة ونزوح العديد من العائلات لجنوب القطاع رفض الشاب رجب أن ينزح برفقة والده " سائد" وأفراد أسرته، وظل صامدا في شمال القطاع عانى مرارة الاجتياحات والقصف العنيف والمجاعة المريرة لكنه كشاب فتي لا يعاني من اي امراض مسبقة استطاع اجتياز كل تلك الصعوبات بعون من الله.
والشاب رجب - وفق ما يبين والده- أنهى مسيرته التعليمية بتفوق حيث حاز على المرتبة الأولى على مستوى جامعة غزة في تخصص المحاماة ويعمل في عدة مؤسسات ويدير مخيما للايواء في شمال القطاع، فكان شعلة من النشاط والحيوية لا يتوقف عن العمل ليلا أو نهارا.
وفي أثناء اجتياح الاحتلال الإسرائيلي محافظة الشمال بعد نقضه الهدنة، قررت أسرة نصر النزوح مجددا إلى مخيم النصيرات في وسط قطاع غزة لكن رجب رفض مجددا النزوح وظل في خيمة في مدينة غزة.
لم يدر بخلد العائلة أن الزيارة الأخيرة التي قام بها رجب لهم في جنوب القطاع ستحمل لهم مأساة لم تكن بالحسبان، فقد خرج لزيارة صديق له في منطقة " فش فرش" في مواصي خانيونس برفقة ابن عمه وهناك اتفقا على الذهاب لاستطلاع الأمر "مصائد الموت الأمريكية" في منطقة " الشاكوش" والبحث في مدى خطورة الأمر هناك وهل بإمكانهم أن يأتوا لاحقا للحصول على مساعدات، كما يبين والده.
ويقول :" كانا على مسافة بعيدة من مكان تسلم المساعدات يرقبان الناس وكيفية التسليم، إذ فوجئ رجب برصاصة متفجرة تخترق عموده الفقري أردته أرضا، ثم جاءت طائرة الكواد كابتر وأخبرت ابن عمه والشباب الذين التفوا لإسعافه بأنه قد استهدف عن طريق الخطأ!".
ويضيف نصر:" طلبت الكواد كابتر من الشباب المحيطين به أن يحملوه ويضعوه بالقرب من الدبابة التي تبعد عن المكان قرابة ١٥٠٠ متر وهناك طلب جنود الاحتلال الإسرائيلي من الجميع الانصراف ما عدا ابن عمه".
ويشير نصر إلى أن ابن عمه فوجئ بأن جنود الاحتلال لم يقدموا له أي مساعدة طبية بل تركوه ينزف، وبعد جدال عقيم معهم لم يستجيبوا لمناشدته بعلاج رجب وطلبوا منه إخلاءه من المكان، فقام بحمله لمسافة ١٥٠٠ متر وهو ينزف، إلى أن تمكن من نقله لمستشفى ناصر.
وبعد تصويره صورة مقطعية تبين أن الرصاصة استقرت بين الفقرتين السادسة والسابعة في عموده الفقري وان نزيف في سائل النخاع .
ولكون والد رجب يعمل في إحدى المؤسسات الطبية تمكن من نقله لمستشفى شهداء الأقصى حيث أجرى الأطباء له عمليتين جراحيتين لتنظيف التقرحات، وبينما كان يتحدث إلينا عن وضع رجب كان الأخير في غرفة العمليات يخضع لعملية جراحية لعمل "شبكية من لحمه" لتوضع مكان الرصاصة وتمنع نزيف السائل الشوكي.
يقول سائد :" بصعوبة بالغة وبعد عشرين يوما من مكوثه في المشفى استطاع الأطباء إخضاعه لهذه العملية الجراحية حيث خضع لمتابعة صحية للتعافي من آثار جلطة اكتشفوا أنه اصيب بها".
ويعاني رجب من حالة نفسية بالغة السوء غير قادر على التاقلم مع وضعه الجديد فلا يستطيع تناول الطعام وسوء تغذية والتهابات شديدة في المسالك البولية وإمساك مزمن وتقرحات من الدرجة الرابعة في جسده وانخفاض في ضغط الدم.
وسوء العناية الطبية يجعل من تعافي رجب والمصابين معه أمرا بعيد المنال، يقول والده:" في القسم الواحد يوجد ثلاثة ممرضين بدلا من عشرة لواحد وعشرين مريضا كلهم بنفس سوء حالة رجب أو أكثر سوءا حيث يعملون بضغط شديد ولا يقدمون الرعاية اللازمة".
ويضطر والد رجب لمرافقته ليلا ونهارا بحكم خبرته في المجال الطبي حيث يقوم هو بمهام التمريض لابنه، ولا تتوقف المعاناة عند هذا الحد فلا يوجد مستلزمات طبية أو حفاضات ويضطر لشرائها على حسابه الشخصي بأسعار باهظة.
يقول :" يحتاج رجب أيضا لفرشة هوائية استطعت توفيرها من بعض المعارف، وحتى الآن لم استطع أن أدبر له كرسي متحرك أو سرير طبي ما يعني أنه سيعاني وضعا بالغ السوء إذا ما خرج من المشفى للخيمة حيث نقيم".
ويناشد نصر المنظمات الصحية الدولية بالاسراع في اجلاء ابنه للسفر العلاج بالخارج حيث الإمكانيات هناك أكثر تطورا وأخبره وفد طبي كندي اطلع على وضع " رجب" أنه يمكن أن يتحسن كثيرا إذا ما سافر باسرع وقت ممكن.