بين خطاب التفاؤل وواقع المعيشة .. الأردنيون يطالبون بخطط ملموسة تعيد الثقة

mainThumb
بين خطاب التفاؤل وواقع المعيشة.. الأردنيون يطالبون بخطط ملموسة تعيد الثقة

07-09-2025 05:40 PM

printIcon

 أخبار اليوم - عواد الفالح - بين خطابٍ رسمي يعلن أن “الأردن قويّ بشعبه” ومشهدٍ معيشيّ مثقل بفواتير الطاقة وتكاليف السلع وفرص العمل المتاحة، تتبدّى فجوةٌ لا ينكرها أحد: تفاؤلٌ مشروع بحيوية المجتمع وتماسكه، يقابله واقعٌ يطلب من هذا التفاؤل أن يتحوّل إلى سياسات قابلة للقياس على دفاتر الأسر ورواتب نهاية الشهر. في الشارع تتكرر الجملة نفسها بصيغٍ مختلفة: لا خلاف على قوة الانتماء، لكن القوة تُختبر حين يواجه المواطن الأسعار، ويبحث الشاب عن وظيفة، وتفتش العائلة عن فاتورة يمكن تخفيفها.

المعادلة واضحة. وعيٌ اجتماعيّ حمى البلاد في اللحظات الصعبة، ونسيجٌ عشائريّ ومدنيّ ظلّ رصيداً للاستقرار، ومؤسسات أمنية محترفة تثبت حضورها في الأزمات، لكن المواطن يريد أن يرى الوجه الاقتصادي لهذه القوة: دخلاً يصمد أمام التضخم، وظيفةً لا تُحسم في صالونات مغلقة، وخدماتٍ أساسية بكلفة عادلة. هنا تحديداً يتزاحم السؤال الكبير: كيف تُترجم العبارات المتفائلة إلى قرارات تُحسِّن حياة الناس وتغلق المسافة بين الكلام والنتائج؟

على الأرض تبدو الأولويات محسوسة. رواتب شريحة واسعة من الموظفين والمتقاعدين لا تواكب الأسعار، وكلفة الكهرباء والمياه والمشتقات النفطية تضغط على ميزانيات البيوت، فيما ينتظر آلاف الخريجين دورهم على أبواب سوق عملٍ لا ينمو بالوتيرة نفسها. يضاف إلى ذلك شعورٌ قديم يتجدد بأن فرص التعيين في مواقع القرار لا تمر دائماً عبر بوابة التنافس والكفاءة، ما يضعف الثقة ويغذي الإحساس بعدم الإنصاف. وحين تتراكم هذه العناصر، يصبح التفاؤل بحاجةٍ إلى سندٍ رقمي: مؤشرات بطالة تتراجع لا بالتصريحات بل بالإحصاءات، وأجورٌ تُربط بالتضخم بشكلٍ دوري، وفواتيرٌ تتوازن مع قدرة الدفع لا العكس.

في المقابل، لا ينطلق المواطن من موقعٍ اعتراضي صرف؛ بل من طموحٍ محدّد الملامح. يريد منظومة أجرٍ عادلة تُعيد الاعتبار لقيمة العمل، ومراجعةً دورية لتسعير الطاقة والمياه تراعي الدخل وتدعم الإنتاج، وسياسة تشغيلٍ جادّة تفتح أبواب القطاعين العام والخاص بشفافية معروفة المعايير. ويريد قبل ذلك وبعده مكافحةً لا لبس فيها للمحسوبية، وإجراءاتٍ تضمن أن المقعد الأكاديمي والوظيفة العليا والموقع التنفيذي تُحسم بالسيرة الذاتية لا بسيرة العلاقات. فحين تسود قواعد اللعب العادلة، يصبح شدّ الحزام مقبولاً، وتصبح المشاركة في تحمّل الكلف الوطنية جزءاً من عقدٍ اجتماعيّ مفهوم.

ما يطلبه الشارع ليس معجزة. “حزمة ثقة” يمكن أن تبدأ اليوم: إعلان خارطة طريق زمنية لخفض البطالة وتوسيع التدريب المربوط بالتشغيل، آلية تلقائية لمواءمة الأجور الدنيا مع مستويات الأسعار، مراجعة أعباء الفواتير المنزلية صعوداً وهبوطاً مع كلف التوليد الفعلية، توسيع شبكات الأمان للفئات الأشد هشاشة، ونافذةٌ دائمة للشكاوى والمتابعة تضمن استجابة قابلة للقياس. على الضفة المؤسسية، ثمة حاجةٌ لتجفيف منابع الشك: نشر معايير التعيين في المواقع العليا مسبقاً، إعلان القوائم القصيرة، وإتاحة مقابلات تنافسية موثّقة، بما يعيد الاعتبار لفكرة “الدولة التي تكافئ الأفضل”.

بين التفاؤل والواقع مساحةٌ يمكن ردمها إذا تحوّل الخطاب إلى خطة، والخطة إلى أرقام، والأرقام إلى أثرٍ في حياة الناس. فالأردني الذي حافظ على هدوء بلاده في العواصف الإقليمية يريد أن يسمع لغةً جديدة: لغة تقول إن الإنصاف ممكن، وإن الدخل يمكن أن يكفي، وإن أبواب الترقي مفتوحة للكفاءات من دون وسطاء. عندها فقط يصبح التفاؤل عنواناً مُستحقاً لا ديكوراً لفظياً، ويغدو الحديث عن قوة البلاد بالشعب والقيادة والمؤسسات نتيجةً طبيعية لسياساتٍ تُرى وتُحسّ، لا شعاراتٍ تُقال وتُنسى.

هذا هو الطموح الجمعي كما يعبّر عنه الناس في تفاصيل يومهم: أمنٌ محفوظ، وعدالةٌ معاشَة، وفرصٌ متاحة بشفافية. وحين يلتقي ذلك كلّه على خطّةٍ اقتصادية واجتماعية واضحة، تتبدل نبرة السؤال إلى جواب: التفاؤل ليس وعداً مؤجلاً، بل مسارٌ عمليٌّ يقيسه المواطن في عين فاتورةٍ أخفّ، وراتبٍ أصلب، وطريقٍ مفتوحٍ للكفاءة كي تصل.