العفو العام… بين مطلب إنساني وهاجس أمني يثير انقسامًا واسعًا في الشارع الأردني

mainThumb
العفو العام… بين مطلب إنساني وهاجس أمني يثير انقسامًا واسعًا في الشارع الأردني

30-09-2025 07:00 PM

printIcon

أخبار اليوم - عواد الفالح – يعود ملف العفو العام إلى واجهة النقاش في الأردن كلما ضاقت الظروف الاقتصادية والاجتماعية، ليصبح حديث الشارع ومادة سجال بين دعاة الرحمة والمغفرة من جهة، والمدافعين عن الردع وحماية الأمن المجتمعي من جهة أخرى. وخلال الأسابيع الأخيرة أخذت الأصوات ترتفع مطالبةً بقرار عفو واسع يشمل فئات من النزلاء، فيما برزت مواقف متشددة تحذر من خطورته على استقرار المجتمع وتماسكه.

المؤيدون للعفو يرون فيه استجابة لواقع اجتماعي واقتصادي قاسٍ، حيث اكتظاظ السجون وما يترتب عليه من كلفة مالية وبشرية، فضلًا عن مئات العائلات التي تعيش انتظار عودة معيلها أو أحد أفرادها. هؤلاء يعتبرون أن العفو العام ليس تقويضًا للقانون، بل هو “نَفَس رحمة” يُمنح لفئات لم ترتكب جرائم خطِرة، أو لأولئك الذين حصلوا على إسقاط حق شخصي بعد صلح عشائري. ويؤكدون أن العقوبة إذا طالت تتحول إلى عبء على الأبناء والأسر أكثر مما تكون ردعًا للمذنب نفسه، وأن منح فرصة ثانية قد يعيد الكثيرين إلى دائرة الإنتاج والالتزام. ومن بين الحجج التي يرفعها هذا الفريق أن الأردن بحاجة إلى مصالحة اجتماعية شاملة تلتئم معها الجروح، وأن العفو قد يشكّل بوابة لاحتواء الإحباط والتوتر المتراكم في المجتمع.

في المقابل، لا تقل حدة الأصوات الرافضة للعفو، إذ تنطلق من منطلقات أمنية وقانونية صارمة. هؤلاء يعتقدون أن أي عفو واسع قد يرسل إشارة خاطئة لمكرّري الجرائم والمتورطين في قضايا خطيرة مثل تجارة المخدرات والبلطجة والاعتداءات الجسيمة والتحرش، وأن التساهل معهم سيضعف الثقة العامة بالقانون. ويذهبون أبعد من ذلك حين يحذرون من أن بعض الخارجين بموجب عفو سابق سرعان ما عادوا إلى ارتكاب مخالفات جديدة، ما يجعل إعادة الكرة اليوم أمرًا محفوفًا بالمخاطر على أمن المجتمع. ومن وجهة نظر هذا الفريق فإن الردع عنصر جوهري في العدالة، وإلغاؤه أو التخفيف منه دون حساب دقيق قد يكلّف المجتمع غاليًا.

وبين الفريقين، يبرز طرح ثالث يصف نفسه بالوسطي، يدعو إلى قانون عفو محدّد بدقة، لا يتسم بالتوسّع ولا بالانغلاق. هذا الطرح يركّز على استثناء الجرائم المهدِّدة للأمن، مع شمول المخالفات البسيطة أو القضايا ذات الطابع الإنساني، وربط أي عفو ببرامج تأهيل وإعادة دمج حقيقية تضمن أن لا يعود الخارجون من السجون إلى الطريق نفسه. ويطالب أصحاب هذا التوجه بمراجعة شاملة لفلسفة العقوبة في الأردن، نحو تعزيز بدائل السجن مثل الخدمة المجتمعية والمراقبة الإلكترونية والتأهيل النفسي والمهني، بما يخفف الضغط عن السجون من جهة، ويحافظ على الردع من جهة أخرى.

ويجمع المراقبون على أن النقاش حول العفو العام يعكس معضلة أوسع يعيشها المجتمع الأردني، بين الحاجة إلى التخفيف من الأعباء الاجتماعية والاقتصادية، وبين الضرورة الأمنية للحفاظ على الردع وهيبة القانون. فالمؤيدون ينظرون إلى العفو باعتباره “نافذة أمل” للأسر التي أنهكتها الغياب والديون، فيما يرى الرافضون أنه قد يكون “بوابة فوضى” تضعف ثقة المواطنين بالدولة ومؤسساتها. أما الاتجاه الوسطي فيسعى إلى معادلة دقيقة تراعي الإنسانية ولا تغفل الأمن.

ومع اقتراب الدورة العادية لمجلس النواب، تتجه الأنظار إلى البرلمان والحكومة لمعرفة ما إذا كانا سيتبنيان مبادرة تشريعية تضع ضوابط واضحة للعفو العام، وتحدد معاييره واستثناءاته بما يحقق العدالة دون أن يفرّط بالأمن. وفي كل الأحوال، يبقى العفو العام قضية حساسة تختصر التوازن الصعب بين الرحمة والردع، وبين المطالب الشعبية والحاجة إلى دولة القانون.