أخبار اليوم – تجددت مطالبات المواطنين بإجراءات حاسمة تجاه ظاهرة الكلاب الضالة بعد تسجيل وفيات وإصابات متزايدة بحالات العقر والتهجم في عدة مناطق، وسط شعور عام بأن الخطر لم يعد هامشيًا ولا ظرفيًا. ويؤكد الأهالي أن المشكلة لم تعد محصورة في الشكاوى اليومية والخوف على الأطفال وكبار السن، بل تحولت إلى ملف أمني وصحي واجتماعي تتداخل فيه مسؤوليات البلديات ووزارة الإدارة المحلية ووزارتي الصحة والداخلية، مع ضرورة مواءمته لأي التزامات أو تفاهمات سابقة تتعلق بالتعامل مع الحيوانات الضالة.
وفي خضم الجدل، تبرز تساؤلات متكررة بين المواطنين حول ما إذا كانت هناك حماية قانونية تمنع حتى البلديات من التعامل المباشر مع الكلاب الضالة، وهل أصبحت “حقوق الحيوان” فعليًا أهم من “حقوق الإنسان”؟ إذ يرى كثيرون أن المبالغة في تقييد الإجراءات الميدانية جعلت حياة الناس وممتلكاتهم عرضة للخطر، وأن الخلط بين الرفق المشروع بالحيوان وبين التغاضي عن الأذى الواقع على البشر لم يعد مقبولًا ولا منطقيًا.
الوقائع التي يتداولها الناس تضع السلطات أمام سؤال مباشر: ما الذي يؤخر خطة وطنية واضحة تقلل الخطر فورًا وتستعيد الطمأنينة إلى الأحياء السكنية؟ فالأهالي يشيرون إلى تكاثر لافت للكلاب في محيط المدارس والمجمعات والأسواق، وإلى سلوك هجومي يتفاقم حين تتحرك الكلاب على هيئة مجموعات، فيما يلفت مختصون إلى أن أي تأخر في علاج العقر يزيد من مخاطر داء السعار، وهو ما يجعل سرعة الاستجابة الطبية جزءًا لا يتجزأ من الحل.
المطلوب، بحسب أصوات ميدانية عديدة، ليس قرارات متفرقة أو بيانات تهدئة، بل خطة متكاملة العناصر تبدأ من الميدان: فرق استجابة سريعة على مدار الساعة تتلقى البلاغات وتتحرك فوريًا، ونظام إيواء منظم خارج التجمعات السكانية مع العزل والتطعيم والمتابعة البيطرية، وتغليظ الرقابة على مكبات النفايات ومصادر الطعام المفتوحة التي تجذب القطعان إلى داخل الأحياء. كما يدعو مواطنون إلى ضبط الإطعام العشوائي داخل المدن، وتنظيمه ضمن مسارات خاضعة لرقابة البلديات في مواقع بعيدة عن الناس، لمنع تشكل تجمعات كبيرة داخل الشوارع والساحات العامة.
على المسار الصحي، يطالب المواطنون بتيسير العلاج الوقائي لما بعد التعرّض، وتوفيره مجانًا أو بكلفة رمزية في المستشفيات والمراكز القريبة، مع إعلان بروتوكول موحد وسريع للتعامل مع أي حالة عقر يتضمن غسل الجرح جيدًا والتوجه الفوري لتلقي اللقاح وما يلزم من أدوية، إلى جانب حملات توعية متكررة في المدارس والأحياء حول الإسعافات الأولية ومخاطر التأخر في العلاج.
ويشدد قانونيون على ضرورة تحديد المسؤولية الإدارية بوضوح، وإعلان مؤشرات قياس أسبوعية للرأي العام عن عدد البلاغات والإجراءات المتخذة ونِسَب الإيواء والتطعيم، وربط الأداء بمستويات البلديات وموازناتها، بما في ذلك إتاحة التعاقد المنضبط مع جمعيات مختصة وفق معايير شفافة وخاضعة للتفتيش والنتائج. كما يطالب متضررون بإطار لتعويضات عادلة في حالات الإصابة الجسيمة أو الوفاة، باعتبار أن السلامة العامة حق أصيل للمواطن تكفله القوانين.
بين ضغط الخطر اليومي الذي يعيشه الناس وواجبات الدولة في حفظ الأمن الصحي والنظام العام، تبدو الحاجة ملّحة إلى إعلان خطة تنفيذية محددة المراحل والمواعيد، تتدرج بين إجراءات تخفيف عاجلة وأخرى مستدامة تمنع عودة الظاهرة إلى داخل المدن. فالقضية لم تعد سجالًا بين “رفق بالحيوان” و“حقوق الإنسان”، بل اختبارًا عمليًا لقدرة المؤسسات على التوفيق بين الالتزامات والواقع، بحيث تُحفظ كرامة الإنسان أولًا، وتدار الظاهرة بأساليب علمية وقانونية لا تُبقي الأحياء رهينة للذعر والصدفة.