أخبار اليوم - بعد ساعات من محاولته اصطياد ولو سمكة واحدة في مسافة ضيقة لا تبعد سوى 400 متر عن شاطئ بحر بلدة الزوايدة وسط قطاع غزة، عاد الصياد محمد عليان بشباك خاوية، وقد اعتقلت بحرية الاحتلال اثنين من زملائه.
"النا طالعين من الصبح، مطلعناش بحاجة..."، يضرب عليان كفا بكف في حديثه مع "فلسطين أون لاين"، مثقلا بانتكاسة طويلة يعانيها قطاع الصيد، للسنة الثالثة تواليا من حرب الإبادة الجماعية، وهي فترة تشهد تصعيدا احتلاليا بحق الصيادين، قتلا وإصابة وأسرا.
ورغم تجاوز حرب الإبادة سنتين كاملتين، فإن وتيرة جرائم ومضايقات الاحتلال بحق الصيادين تتزايد. "كل يوم نتعرض لخطر الإصابة، وإطلاق النار من زوارق الاحتلال، ونحاول الاحتماء منها"، يضيف عليان، بينما يمسك بشباك الصيد الفارغة.
وكان عليان يقطن في مخيم جباليا للاجئين شمال القطاع، لكن بعد تدمير الاحتلال منزله، وتحويله المخيم إلى ما يشبه أرضا محروقة، أجبر الرجل على النزوح إلى وسط القطاع.
وعلى امتداد نزوحه القسري، ظل عمل عليان وزملاءه محصورا في مهنة الصيد، ولا سيما مع ارتفاع نسب البطالة والتعطل عن العمل في غزة إلى مستويات تتجاوز ما كانت عليه قبل الإبادة، وتدمير الاحتلال الاقتصاد الغزي منهجيا.
يقول عليان: أمارس مهنة الصيد منذ نعومة أظفاري، وقد كان ذلك في البداية هواية، لكنه تحول إلى مصدر محدود للدخل قبل الحرب يقدر بـ80 شيقلا، وبات الآن بلا جدوى مالية، ومحفوفا بالمخاطر.
وحتى قبل الإبادة، كان الاحتلال ينغص على الصيادين ويحرمهم من الصيد في كامل المياه الإقليمية للقطاع، وفق ما تنص عليه القوانين الدولية، وتعرضوا دوريا للمخاطر التي تضاعفت خلال الحرب الجارية.
لكن فرص اصطياد الأسماك منذ بدء الاحتلال الإبادة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 باتت شبه معدومة. يقول عليان بنبرة حزن: المعاناة شديدة، طرادات الاحتلال لا تعطينا مجالا للصيد.
أوجه متعددة للمعاناة
ولا يمثل ذلك سوى وجه واحد لتلك المعاناة. إذ إن الاحتلال دمر معظم مقدرات الصيادين، ومنع إدخال مسلتزمات عملهم، ضمن حصاره المطبق والمزمن على القطاع.
يقول الصياد: "رجعنا للعمل على الحسكة اليدوية، ولا إمكانات لدينا"، متابعا: لا توجد مسافة كافية لنفرد بها الشباك، بسبب قيود الاحتلال، وأيضا اكتظاظ الشاطئ بالنازحين الذين يستخدمون مياه البحر للغسل، في ظل استخدام الاحتلال الحرمان من المياه والتعطيش سلاحا.
ويوضح أن هذا الاكتظاظ يبعد الأسماك عن الشاطئ، في وقت لا يستطيع الصيادون التعمق في البحر بسبب زوارق الاحتلال، وبالكاد يستطيع الواحد منهم اصطياد بعض أسماك السردين و"المليطة".
كما أن العديد من الشبان المتعطلين عن العمل باتوا يزاحمون الصيادين على الاصطياد في محاولة يائسة لتوفير قوت يومهم، حسبما يفيد عليان.
وتنعكس كل تلك العوامل على الواقع المعيشي لأسرته المكونة من خمسة أفراد، التي باتت تعيش على التكيات الخيرية والمساعدات الشحيحة، تحت وطأة الحرب والتجويع.
والأحد، أفاد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، بتضرر الثروة السمكية بنسبة 100% بسبب استهداف الاحتلال مناطق الصيد.
ومع دخول حرب الإبادة الجماعية، الثلاثاء، السنة الثالثة، أفادت وزارة الصحة بأن إجمالي الضحايا بلغ 67173 شهيدا، و169780 جريحا.
فاقدا للحيلة، مكتويا بأشعة الشمس، يوضح عليان أنه لا خيارات أمامه سوى الكفاح والاستمرار في مهنة الصيد، التي لا يعرف مهنة غيرها.
ومرة أخرى، أعاد وزملاؤه تجهيز شباك الصيد لخوض غمار البحر مجددا بعد فترة من الراحة، أملا في العودة بشيء من السمك، رغم انسداد أفق ذلك.
فلسطين أون لاين