أسئلة معلّقة في الشارع الأردني: هل ما يُناقشه النواب يلامس ما يعيشه الناس؟

mainThumb
أسئلة معلّقة في الشارع الأردني: هل ما يُناقشه النواب يلامس ما يعيشه الناس؟

19-11-2025 01:06 PM

printIcon


أخبار اليوم - تتصاعد في الشارع الأردني موجة استياء غير مسبوقة تجاه مجلس النواب، بعد سلسلة مواقف وتصريحات وقرارات اعتبرها مواطنون بعيدة عن همومهم اليومية، وفي قلبها سؤال واحد يتكرر بصيغ مختلفة: هل ما زال هذا المجلس يمثل الناس حقاً؟

النقاش اشتعل مجدداً بعد تصريح لإحدى النائبات تحدّثت فيه عن شعورها بالتعب من الهجوم المستمر، ولوّحت بإمكانية “الترويحة” إن لم يعد النواب يمثلون الشارع كما ينبغي. هذه الجملة وحدها فتحت باباً واسعاً أمام الناس لقول ما في صدورهم، ليس عن شخص بعينه، بل عن فكرة المجلس وصورته ودوره في حياة الأردنيين اليوم.

الكثير من المواطنين باتوا يرون أن المجلس، بصيغته الحالية، لم يعد قادراً على الدفاع عنهم في ملفات الأسعار والضرائب والديون والبطالة وغلاء السكن، وأنه تحوّل، بنظرهم، إلى مؤسسة تستهلك الموازنة في الرواتب والامتيازات، دون أن يلمسوا مردوداً حقيقياً على معيشتهم. 

في موازاة ذلك، تظهر نبرة يائسة من تكرار الوعود. مواطنون يتحدثون عن سنوات من الخطابات النارية تحت القبة، مقابل واقع معيشي يزداد ضيقاً: فواتير كهرباء وماء متراكمة، إيجارات مرهقة، قروض بنكية وقصّات لا تنتهي، وأسر تعيش على حافة العجز الشهري. وسط هذه الصورة، تبدو رواتب النواب وامتيازاتهم مادة حساسة في وجدان الشارع، خصوصاً حين تُقارن برواتب الموظفين والمتقاعدين التي بالكاد تغطي أساسيات الحياة.

جزء مهم من المزاج العام يدعو النواب إلى “مطابقة القول بالفعل”. فحين يتحدث نائب عن انفصال المجلس عن الناس، يردّ كثيرون بدعوتهم لتجسيد ذلك عملياً عبر الاستقالة، أو رفض الموازنة، أو التنازل عن بعض الامتيازات لمصلحة الفئات الأشد فقراً. تتكرر عبارات من قبيل: إذا كنتم تشعرون أنكم لا تمثلون الناس، فاذهبوا بقرار منكم، وأثبتوا أن مقاعدكم ليست غاية بحد ذاتها.

في خلفية هذا المشهد، يبرز مطلب آخر لا يقل حضوراً: العفو العام. كثير من الأردنيين يربطون بين ضيق الحال الاقتصادي وبين الحاجة إلى فرصة جديدة لعشرات الأسر التي أنهكتها قضايا أبنائها في السجون. أصوات كثيرة تناشد جلالة الملك إصدار عفو عام “موسع”، ينصف من أخطأ مرة واحدة، ولا يمس القضايا التي تشكل خطراً على أمن الدولة، باعتباره خطوة تخفيف اجتماعي وأخلاقي في لحظة ضغط نفسي واقتصادي قاسٍ على العائلات.

كذلك تُطرح فكرة العدالة في الأعباء بشكل واضح: إذا كان المطلوب من المواطن أن يتحمل الضرائب وارتفاع الأسعار، فالمطلوب أيضاً – بحسب ما يقوله كثيرون – أن يتحمل المسؤول صاحب المنصب جزءاً من الكلفة، عبر ضبط امتيازاته، وإعادة النظر في رواتب عليا تُدفع من جيب دافع الضرائب الذي “لا يجد أحياناً ثمن الخبز”، كما يصف بعضهم الواقع بمرارة.

اللافت في هذا المزاج أنه لم يعد ينطلق من خلافات أيديولوجية أو اصطفافات سياسية، بقدر ما يعكس تعباً عاماً من الشعور بأن المؤسسات التي يفترض أن تدافع عن الناس باتت “ديكوراً” (على حد تشبيه برلمانيا سابقا) في مشهد سياسي واقتصادي ضاغط. هناك من يقول بصراحة: لم نعد نتابع جلسات المجلس، ولم نعد نعتقد أن ما يقال تحت القبة سيغيّر شيئاً في فاتورة الكهرباء أو في إيجار البيت أو في دواء الطفل.

وسط كل هذه الأسئلة، يبقى السؤال الأكبر معلقاً: هل يلتقط مجلس النواب هذه الإشارات بوصفها إنذاراً مبكراً يستدعي مراجعة جدية لدوره وأدائه، أم يستمر في مساره الحالي حتى تتسع فجوة الثقة أكثر بينه وبين الشارع؟ وهل تملك الحكومة، مع المجلس، شجاعة الذهاب إلى خطوات ملموسة تعيد بناء الثقة، مثل مراجعة الامتيازات، وفتح ملفات الأجور، والتعامل الشفاف مع المديونية والضرائب، والنظر بجدية لمطلب العفو العام، أم يبقى كل شيء في إطار التصريحات؟

بين دعوات الحلّ، ومطالب الإصلاح، ونداءات العفو، يقف الشارع اليوم في حالة ترقّب حذر، يراقب فيها كلمات كل مسؤول، لكنه لم يعد يكتفي بالكلام. ما ينتظره الناس، ببساطة، هو أفعال تقنعهم أن من يجلس تحت القبة يمثّلهم حقاً، لا يمثل عليهم.