أخبار اليوم - "رحلت وتركتني وحيدًا مكسور القلب. غادرت الدنيا دون أن أسمع منها كلمة." هكذا تحدث علي الغماري عن وداع ابنته التي كانت تواجه وضعًا صحيًا حرجًا، واستُشهدت قبل أيام متأثرة بإصابتها في قصف إسرائيلي.
داخل غرفة العناية المكثفة في مجمع الشفاء الطبي، كانت الطفلة لين الغماري ترقد صغيرة الجسد، بالكاد قادرة على التنفس، فيما كانت أجهزة المراقبة ترصد تراجع نبضها، وكأنها تستعد لرحيل أخير نحو السماء، حيث سبقتها أمها وأشقاؤها قبل أيام.
لم تكن الطفلة، البالغة من العمر 15 عامًا، تعلم أن نزوحهم من حي الشجاعية شرق مدينة غزة، هربًا من الموت، سيكون مجرد تأجيل للحظة الفاجعة.
"أُجبرنا على النزوح وترك الشجاعية بعد أن نشر جيش الاحتلال خرائط إخلاء جديدة شرق المدينة. لم يكن أمامنا سوى التوجه إلى المناطق الغربية، وتحديدًا إلى منزل أهل زوجتي - ويقع في منطقة عنان، شمال غرب غزة"، قال والدها علي (48 عامًا) لـ"فلسطين" بكلمات تسيل ألمًا.
في ساعة متأخرة من يوم 27 أبريل الماضي، وبينما كانت لين تغفو بجوار أمها وإخوتها في منزل ظنوه ملاذًا آمنًا، حطّ الموت رحاله مجددًا، وهذه المرة بقنبلة أنهت كل شيء.
"استهدف الطيران الحربي لجيش الاحتلال المنزل بقنبلة واحدة على الأقل، فدُمّر فوق رؤوس من كانوا فيه"، أضاف علي بعين دامعتين.
استُشهد جراء القصف العنيف أفراد عائلته تحت ركام المنزل، من بينهم زوجته ناهد (37 عامًا)، وابنتاه أفنان (12 عامًا) وزينة (5 أعوام)، وابنه حسن (13 عامًا). أما لين، فكانت الناجية الوحيدة، لكنها نُقلت إلى المستشفى وهي في غيبوبة تامة.
والدها، الذي لم يكن في المنزل وقت الغارة، وصل متأخرًا إلى المستشفى، يحمل وجع الفقد، وعيناه لا تكفان عن النظر إلى ملامح صغيرته، كأنه يرجوها أن تبقى.
كانت إصابتها خطرة بكل ما للكلمة من معنى؛ إذ تسبب القصف بكسر في الفقرة السابعة من أعلى العمود الفقري، وكدمات قوية في منطقة الصدر تسببت بنزيف في الرئتين. على إثر ذلك، قرر الأطباء إبقاءها نائمة طوال الوقت. وبينما كانت تغصُّ في نوم عميق، لم تكن تعرف أن والدتها وأشقّاءها قد رحلوا قبلها.
حاولت لين أن تصارع الموت على سرير العناية المكثفة، لكنها بعد أيام من المقاومة الصامتة، وتحديدًا يوم الجمعة الماضية، أسلمت الروح، لتلحق بأمها وإخوتها، تاركة والدها وحيدًا يلفه وجع الفقد من كل الجهات.
يتابع والدها لـ"فلسطين": "لين كانت واحدة من بين 19 شخصًا كانوا داخل المنزل لحظة القصف. أُصيبت هي، ونجا ثلاثة آخرون، أما الباقون فاستُشهدوا جميعًا. والآن، لحقت لين بهم. إنها جريمة بكل معنى الكلمة".
ويضيف: "لم أتوقع لحظة أن أفقد عائلتي في قصف يستهدفهم مباشرة. ما ذنب الأطفال حتى يُقتلوا هكذا؟ هذه الجرائم يجب ألا تمر مرور الكرام".
بالنسبة لعلي، لم يتبق له سوى الذكريات، شأنه شأن الكثير من الناجين الذين أُبيدت عائلاتهم في المجازر الإسرائيلية الممتدة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، حين بدأ جيش الاحتلال حرب الإبادة على غزة.
يحتفظ علي بصورة قديمة لعائلته، يظهرون فيها مبتسمين ببراءة، كأنهم لم يعرفوا أن هذه الحرب، على قسوتها، قد اختارتهم ليكونوا قصة جديدة في دفتر مأساة غزة.
المصدر / فلسطين أون لاين