د. خالد عدنان البطاينة
في مثل هذا اليوم، كان لرجالٍ في القدس سيفٌ لا يصدأ، وصوتٌ أعلى من كل الخطابات، واسمٌ لا يُزَيَّف.
في السابع والعشرين من أيار عام 1948، خاضت الكتيبة السادسة من الجيش العربي الأردني بقيادة القائد عبد الله التل، ملحمة كتبها الدم على حجارة القدس العتيقة، لا الحبر على ورق الخُطب.
في ذلك اليوم، استسلم الحيّ اليهودي في القدس القديمة، بعد مقاومةٍ شرسة من مقاتلي “الهاغاناه”، أمام صمودٍ أردنيٍّ لا يعرف التراجع، ولا يقبل المساومة.
كان من يحمل القدس آنذاك، يعلم أنها ليست مدينةً فقط، بل شرفٌ لا يُفرَّط به، وأن من يسلّمها، يُسلّم قلبه للأبد.
لم يكن ذلك النصر وليد صدفة، ولا رهين حظ، بل ثمرة شجاعةٍ متجذرة، وإيمانٍ لا يتزعزع، وبطولةٍ تتناقلها الأجيال.
لقد كان استسلام الحي اليهودي، أول شرخٍ في جدار المشروع الصهيوني، وأول سطرٍ ناصع في سفر الجيش العربي، دوّنته الكتيبة السادسة لا بالكلام، بل بالبندقية والدم والولاء.
ليس ذلك فحسب بل وبعد عشرين عامٍ تلتها، وفي الكرامة، كتب الأردني النشيد ذاته مجددًا، حين ظن العدو أن نكسةً تمحو الإرادة، وأن جرحًا يكسِر الجَنان.
لكن الجواب جاء كما يليق بالأردن:
“نحن هنا… ثابتون كالصخر، والأرض التي عبرتها بخيلك، ستُعيدك محمولًا على نعشك.”
وبين القدس والكرامة، وبين النكسة والانتصار، كان الأردن كما هو… لا يرفع الشعارات، بل يرفع جثامين شهدائه على الأكتاف، ويمضي على العهد.
بعد كل هذا الإرث من الدم والبطولة، يؤلمنا أن يتعرّض الأردن لهجمة إعلامية خبيثة، لا تقل خطرًا عن رصاص المحتل.
تشكيك في المواقف، تزوير للتاريخ، ومحاولات مفضوحة لشيطنة وطن، لم يتاجر يوماً، لكنه دفع أثماناً لا تُعدّ:
من دمه…
من استقراره…
من اقتصاده…
ومن صمته الذي لم يكن ضعفًا، بل حكمة.
من لا يعرف أن من حرر القدس قبل أن تُحتل كلها، ومن أوقف زحف العدو على ضفاف الكرامة، لا يجوز أن يُزايد عليه أحد في العروبة، ولا في الوفاء، فالأردن لم يكن يومًا بائع قضايا، بل حاملاً لها… وسيفاً يذود عنها بصمت.
كل محاولةٍ لتشويه هذا التاريخ، ليست إلا عجزًا عن تقليده، وعقدة نقص أمام سجلاتٍ نقشتها البنادق على جدران القدس، وكتبتها أقدام الجنود في طين الكرامة.
الأردن لا يصرخ… لأنه لا يحتاج أن يُثبت من هو.
ومن الكتيبة السادسة، إلى الكرامة، مرّت البطولة من هنا، ورفضت أن تمرّ بغير هذا الاسم:(الأردن).
الشمس لا تُغطّى بخيوط الحقد،
والحق لا يُمحى بنداء الباطل،
والتاريخ… لا يُحرَّف بتغريدة أو بوست أو تعليق.