عمان عاصمة الشباب العربي 2025: انطلاقة وطنية وعربية لتمكين الشباب، التنمية، والسلام

mainThumb
المهندس أحمد نضال عواد

11-07-2025 08:42 PM

printIcon


المهندس أحمد نضال عواد

في اللحظة التي أُعلنت فيها "عمان عاصمة الشباب العربي 2025"، وتدشين الخطة التنفيذية للإستراتيجية العربية للشباب والسلام والأمن، شعرنا جميعًا بفخر وطني عميق ومسؤولية وطنية كبيرة. إذ أن ذلك يعني انطلاق لمشروع شبابي وطني عربي ينبع من قلب الأردن النابض، يدعو إلى التنمية المستدامة والسلام الشامل.

إن اختيار العاصمة الحبيبة عمان يمثل دعوة ملحة لأن نُحول العاصمة الأردنية إلى مركز إقليمي لصناعة الفرص، وتحفيز الشباب على الريادة والابتكار، وتعزيز روح الانتماء الوطني والعربي، عبر مشروع متكامل يهدف إلى تمكين الشباب الأردني والعربي بمهارات المستقبل والريادة، وتعزيز الاستثمار الاجتماعي الذي يخلق فرص عمل حقيقية، ودعم الابتكار التقني والثقافي الذي يعكس هويتنا الوطنية والعربية، وترسيخ قيم السلام والتعاون الإقليمي الذي يضمن استقرار مستقبلنا والمنطقة من حولنا.

إن استثمار هذه الفرصة يتطلب رؤية وطنية شاملة تقودها وزارة الشباب، وتتعاون فيها مع مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، لتأسيس نهضة شبابية حقيقية يكون الأردن فيها نموذجًا يحتذى به عربيًا.

تواجه بلادنا تحديات كبيرة على صعيد سوق العمل، إذ أظهرت بيانات دائرة الإحصاءات العامة أن معدل البطالة بين الأردنيين وصل إلى 21.3% في الربع الأول من عام 2025، فيما ترتفع هذه النسبة بشكل أكبر بين فئة الشباب، الذين يشكلون أكثر من نصف السكان. وهذا ما يؤكد أن هناك حاجة ماسة لخطط طموحة وعملية لمعالجة هذه الظاهرة عبر توفير فرص عمل مستدامة ترتكز على الاستثمار الاجتماعي وريادة الأعمال.

هنا تبرز أهمية الاستفادة من الهبة الديمغرافية التي يتمتع بها الأردن، حيث يشكل الشباب نسبة كبيرة من السكان، ما يمنحنا فرصة ذهبية لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية إذا ما تم استثمار هذه الطاقات بشكل فعّال. إذ علينا اعتبار الهبة الديمغرافية مكسب استراتيجي وفرصة كبيرة لتطوير المهارات، وخلق فرص العمل، وتمكين الشباب من المساهمة الفاعلة في بناء وطنهم، بدلًا من أن تتحول إلى عبء اقتصادي واجتماعي وتحدي علينا مواجهته.

وزارة الشباب في المرحلة المقبلة يجب أن تكون وزارة ريادية في برامجها ومشاريعها، ابتكارية في شراكاتها الاستراتيجية، مبادرة في وصولها لجميع الشباب وسماع أفكارهم وتحويلها إلى مشاريع وفرصة نحو النهضة المستدامة والتطور المحلي والإقليمي والدولي. وأن تتبنّي مشروع وطني ذي هوية أردنية عربية، عنوانه: تمكين الشباب بمهارات المستقبل، وتعزيز ريادة الأعمال والابتكار، وجذب الاستثمار الاجتماعي والإنتاجي. إذ أن الشباب هم العامل المشترك في كل قطاع، وهم مفتاح التقدم في كل مجال. لذا لا بد من إنشاء مجلس وطني تنفيذي دائم بين وزارة الشباب وسائر هذه الجهات، لضمان التنسيق والتكامل في السياسات والمشاريع، وصولًا إلى بناء بيئة حاضنة للطاقات الشابة، ومسرّعة للمشاريع الريادية.
في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية، وقد بات الاستثمار الاجتماعي هو الرهان الحقيقي لتنمية المجتمعات، خصوصًا الشبابية. يقوم هذا الاستثمار على إشراك رأس المال الخاص والعام ومؤسسات المجتمع المدني في تبني مشاريع شبابية إنتاجية تحقق عائدًا اقتصاديًا واجتماعيًا معًا وكذلك الشراكة ما بين راس المال وأصحاب الأفكار المبتكرة، من هذا المنطلق، تشمل هذه الرؤية لوزارة الشباب إنشاء صندوق وطني للاستثمار الاجتماعي الشبابي يموّل المشاريع الريادية الصغيرة والمتوسطة التي يقودها الشباب، وإطلاق حاضنات أعمال وطنية في كل محافظة، مرتبطة باحتياجات المنطقة وتخصصاتها الاقتصادية، بالإضافة إلى تسهيل دخول الشركات الناشئة الشبابية للأسواق الدولية من خلال معارض وشراكات ومنصات تصدير رقمية، وتحفيز الشركات الكبرى لتخصيص نسبة من أرباحها في دعم المشاريع الشبابية مقابل حوافز ضريبية وتنموية.

أما على صعيد مهارات المستقبل، فإن تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2024 يشير إلى أن 40% من العاملين حول العالم سيحتاجون إلى إعادة تأهيل مهاراتهم خلال السنوات الخمس القادمة، مع توقعات باختفاء 85 مليون وظيفة واستبدالها بـ97 مليون وظيفة جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، ومهارات التفكير التحليلي والإبداعي، وريادة الأعمال والابتكار، والطاقة النظيفة والتكنولوجيا الخضراء. ولذلك تكمن الفرصة الحقيقية في تحويل مراكز الشباب المنتشرة بمحافظات المملكة إلى منصات تعلم رقمية، ومراكز تدريب متميزة، ومختبرات تصنيع الابتكار، ومساحات للإبداع التقني والثقافي.

لتنفيذ هذه الرؤية، نرى ضرورة تأسيس منصة وطنية موحدة للشباب تشمل فرص التدريب، والتوظيف، والتمويل، والابتكار، والعمل التطوعي، مع إدماج مهارات المستقبل في المناهج التدريبية والثانوية والجامعية بالتعاون مع شركات عالمية، وإطلاق برامج تمويل جماعي للمشاريع الشبابية (Crowdfunding) بإشراف حكومي وشراكة مع القطاع المالي المصرفي، إلى جانب وضع نظام شفاف وعادل لمنح الحوافز والفرص الريادية بعيدًا عن البيروقراطية والمحسوبية، وإطلاق مجلس شبابي وطني بصلاحيات رقابية واستشارية يعكس نبض الشارع الشاب ويشارك في صناعة القرار.

وقد قال صاحب السمو الملكي ولي العهد، الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، يحفظهما اللّه، في خطابه بمنتدى تواصل الذي نظمته مؤسّسة ولي العهد: " في الاقتصادات المتقدمة لم تعد القيمة تقاس فقط بما تنتجه المصانع بل بما تنتجه العقول"، وكذلك قال سموه "حين تتاح للإنسان وسائل الارتقاء بواقعه وتحسين معيشته، ينشأ مجتمع قوي منيع متماسك البنيان، تتعزز فيه الثقة والانتماء وتزداد فيه الجبهة الداخلية صلابة وقوة بتكاتف أبنائه" لذلك فإن تحسين معيشة الشباب يبدأ من خلال سياسات تشاركية عملية تضمن لهم مصدر دخل، ومكان تدريب حقيقي، وفرصة تمويل عادلة، وسقفًا طموحيًا مفتوحًا نحو العالمية، حيث تتحول الأفكار إلى مشاريع، والطموحات إلى إنجازات.

هذه ليست شعارات، بل رؤية قابلة للتطبيق وطموح كل شاب أردني في مختلف مناطق المملكة بأن يكون له دور فاعل ومؤثر في بناء وزارة تستثمر رأس المال الاجتماعي والاقتصادي للشباب، وترتقي بتطلعاتهم نحو واقع أفضل وفرص مستحقة. فالأردن، بقيادته الهاشمية، واستقراره، وتماسك شعبه، وطاقاته البشرية، يمتلك كل المقومات ليكون دولة تنتج الحلول وتصدّر الإبداع للمنطقة والعالم.

فلنبدأ من هنا، من رؤية شبابية وطنية شاملة تقودها وزارة الشباب، بالتكامل مع الجميع، وبثقة أن القادم أفضل إن أُعطيت للشباب الثقة والفرصة والمسؤولية، فالشباب قادرون والأردنّ والنجمة السباعية في علم بلادي يستحقان الأفضل دائماً.