بريكس تضع قواعد نظام عالمي جديد

mainThumb
بريكس تضع قواعد نظام عالمي جديد

13-07-2025 10:10 AM

printIcon

أ.د. خالد واصف الوزني
أستاذ الاقتصاد والسياسات العامة
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية

القمة العالمية السابعة عشرة لمجموعة بريكس والتي عُقِدَت الأسبوع الماضي في ريو دي جانيرو باتت تؤكِّد ما تناولته في عدة مرات سابقة من أنَّ العالم يسير بثبات نحو نظام سياسي اقتصادي عالمي جديد. النظام الجديد تَبرز أهم سماته بتكتُّل عالمي متنامي بدأ بأربع دول، وتتطور اليوم إلى إحدى عشرة دولة عضو وثماني دول شريكة، وهناك العديد من دول العالم منها من تقدَّمت للعضوية، ومنها من تراقب وتتابع وتنتظر.

بيد أنَّ الدول الأعضاء الفاعلين، الذين لا يكادون يمثِّلون أكثر من 5% من عدد دول العالم، هم في الحقيقة يشكِّلون ما يزيد على 50% من مساحة الكون، و45% من عدد سكانه، وباتوا اليوم يحددون، أو يصنعون، ما يزيد على 50% من النمو العالمي المتحقق خلال العامين الماضيين. مجموعة بريكس، بمؤسسيها من البرازيل، وروسيا، والصين، والهند، وجنوب إفريقيا، باتت الكيان الذي سيرسم قواعد النظام العالمي الجديد، متعدد الأقطاب اقتصادياً وسياسياً، وخاصة النظام المالي المتعلق بتسويات التبادل التجاري العالمي، ونظام تحديد أسعار الصرف، ونظام المديونية، ونظام التعاملات البنكية، بل وأسس ومصادر تمويل التنمية في مجال دعم القطاعات الاقتصادية الواعدة، وخاصة في الطاقة والمياه والذكاء الاصطناعي. النظام العالمي الجديد سيضع قواعد المديونية العالمية، وحسابات موازين المدفوعات وآليات تحديد أسعار الصرف. وباعتقادي التام أنَّ العقد الرابع من هذا القرن، أي في أقل من أربعة أعوام، سيشهد أفولاً تدريجياً لدور الدولار الأمريكي في التعاملات الدولية، وتراجعاً مضطرداً لدور صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي في تحديد قواعد اللعبة الاقتصادية، وفي سيطرة السياسية، وقد تختفي قواعد منظمة التجارة العالمية، لتحلَّ في موقعها منظمة بريكس ذاتها، بقواعدها ومتطلباتها للتبادل التجاري والتعاملات العالمية. المشهد يشير إلى عدم اختفاء الدولار، بشكل كامل، وعدم تحوُّله إلى ما تحوَّل إليه الجنيه الإسترليني عقب انتهاء نفوذ إمبراطورية بريطانيا العُظمى؛ لأنَّ قواعد اللعبة والمصالح السياسية باقية في كثير من قواعدها في يد السيطرة العسكرية للإمبراطورية الأمريكية، ما يحتِّم الاستمرار بالتعامل بعملة الدولار، بل ودعمها عبر حسابات دولارية محلية وعالمية، خوفاً وطمعاً. اجتماع دول البريكس تمخَّض عنه بوضوح التوجُّه الرسمي والحقيقي نحو نظام مدفوعات مستقل بين البنوك المركزية للدول الأعضاء، بهدف تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي ونظام سوفت المُسيطَر عليه أمريكياً، ومن الواضح أنَّ دول الأعضاء التي بدأت تؤسِّس نظاماً للدفع تحت مسمّى نظام بريكس للدفع BRICS Pay تؤسس لمرحلة جديدة من اللامركزية النقدية عبر نظام يقدِّم تنوُّعاً في أدوات التسويات المالية العالمية، إما من خلال التسويات المباشرة بالعملات المحلية، أو باستخدام العملات المُشفَّرة المدعومة من دول ذات سيادة ومكانة عالمية، مثل الصين، أو عبر نظام مختلط تحكمه سلة متنوعة من العملات المحلية، والمُشفَّرة. القمة التي شهدت توسُّعاً نوعياً في العضوية لتشمل دولاً من آسيا، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية، بشّرت بإرهاصات نظام عالمي جديد، يتحلل فيه العالم من سطوة النظام المالي العالمي الحالي، وينطلق نحو تعددية مالية، ليست بريئة من الحسابات السياسية، ولكنها أفضل من التبعية والانصياع لمزاج نظام مالي ظاهره ديمقراطي متحرر، وباطنه دكتاتورية من العقوبات، والمصالح، والقمع السياسي، والتبعية المؤذية، والأهواء الفردية المزاجية تارةً والعنصرية أحياناً.