القدسي: رؤية الملك تؤسس لمعادلة استراتيجية عنوانها "قوة الأردن شرط لنُصرة فلسطين"

mainThumb
د. هديل القدسي

03-08-2025 06:12 PM

printIcon


أخبار اليوم - صفوت الحنيني - اعتبرت د. هديل القدسي، الكاتبة والباحثة السياسية، أن لقاء جلالة الملك عبد الله الثاني مع عدد من الشخصيات الإعلامية الأردنية مثّل محطة سياسية مهمة أعادت ضبط إيقاع المزاج العام، وقدّمت تصورًا وطنيًا عقلانيًا للتعامل مع المجازر التي ترتكب في قطاع غزة، من خلال معادلة متوازنة تربط بين التضامن الشعبي والحفاظ على منعة الدولة واستقرارها.

وقالت القدسي إن جلالة الملك عبّر في هذا اللقاء عن موقف استراتيجي واضح اختصره بقوله: "غزة تحتاج إلى أردن قوي". وهي عبارة، بحسب تحليلها، لا تعبّر فقط عن توصيف ظرفي، بل تشكّل مرتكزًا سياسيًا كاملاً يقوم على أن الدولة الأردنية، كلما كانت أكثر تماسكًا داخليًا واستقرارًا سياسيًا واقتصاديًا، كانت أكثر قدرة على لعب دورها المحوري والتاريخي في نصرة القضية الفلسطينية سياسيًا وإنسانيًا على حد سواء.

وأكدت القدسي أن الخطاب الملكي لم يكن مجرد خطاب رسمي صادر عن رأس الدولة، بل جاء بصيغة شخصية صادقة من ملك يشعر بغضب الأردنيين وآلامهم تجاه ما يتعرض له أهالي غزة. في الوقت نفسه، شدد جلالته على ضرورة عدم الانزلاق نحو الفوضى أو التخوين أو المساس بالوحدة الوطنية، لأن مثل هذه التصرفات تُضعف الموقف الأردني ولا تقوّيه.

وشددت القدسي على أن الملك قدّم في حديثه مع الإعلاميين تفسيرًا متكاملًا حول مفهوم الفعل السياسي الأردني القائم على التوازن والمسؤولية، لا على ردود الفعل العابرة، مضيفة أن هذا الطرح يُعيد تثبيت قاعدة سياسية محورية وهي أن قوة الموقف تبدأ من المناعة الداخلية.

وتابعت أن جلالة الملك شدد على أن تعطيل مظاهر الحياة أو الإضرار بالاقتصاد الوطني لا يخدم غزة، بل يعيق قدرة الدولة الأردنية على القيام بدورها. فالحياة المنتظمة، والاقتصاد المنتج، والمؤسسات الفاعلة، هي شروط ضرورية للاستمرار في دعم القضية الفلسطينية في المدى الطويل، وليس مجرد مظاهر آنية.

وفي هذا السياق، اعتبرت القدسي أن الخطاب الملكي انسجم تمامًا مع مبادئ رؤية التحديث الاقتصادي، التي دعت إلى بناء اقتصاد مستقر ومنتج في جميع المحافظات، وحماية عجلة التنمية الوطنية كإطار داعم للموقف السياسي والدبلوماسي تجاه القضايا الإقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

كما رأت أن اللقاء حمل توجيهًا مباشرًا للإعلام الأردني بضرورة أن يكون شريكًا مسؤولًا في إدارة المزاج العام، عبر توجيه طاقات الناس نحو الفعل البنّاء، لا الاتهام والتشكيك أو إثارة الانفعالات غير المنضبطة. ووصفت القدسي هذا التوجيه بأنه جزء من رؤية تكاملية لحماية الدولة وتعزيز ثقة المواطنين بمؤسساتهم، دون المساومة على مواقفهم تجاه غزة أو التقليل من شأن مشاعرهم.

وأكدت أن الدولة القوية وحدها هي القادرة على حمل القضايا العادلة إلى المحافل الدولية، أما الدولة المنهكة فلا تملك إلا أن تنجو بنفسها. ومن هنا، فإن الحفاظ على تماسك الأردن واستقراره ليس خيارًا منفصلًا عن دعم فلسطين، بل شرط أساسي له.

واختتمت د. هديل القدسي بالقول إن السياسة الأردنية تجاه فلسطين لم تكن يومًا ظرفية أو موسمية، بل هي سياسة تأسست منذ عقود على ثوابت أخلاقية وسياسية واضحة، بحكم التاريخ والجغرافيا والموقف المبدئي، مشيرة إلى أن جلالة الملك، بهذا الخطاب، أعاد ضبط البوصلة الوطنية على أساس أن التضامن مع غزة لا يُقاس بالصوت المرتفع، بل بالفعل العاقل والمسؤول الذي يصدر عن دولة تعرف متى تتكلم، ومتى تتحرك، ومتى تحافظ على ذاتها لتستمر في أداء دورها العربي والإنساني.