مهرجان الزيتون… مرآة الهوية الأردنية الكادحة

mainThumb
مهرجان الزيتون… مرآة الهوية الأردنية الكادحة

03-12-2025 09:58 AM

printIcon

الكاتب: محمد الشعراء

يُعدّ مهرجان الزيتون أحد أبرز المظاهر الثقافية والزراعية في الأردن، فهو أكثر من مجرد سوق لعرض المنتجات؛ إنه مساحة تُجسّد روح الأرض وعرق أبنائها، وتعكس تاريخًا طويلًا من الكفاح والعمل الدؤوب. فالزيتون الذي يُعدّ رمزًا للبركة والصمود، هو جزء أصيل من الهوية الوطنية التي تشكّلت عبر مئات السنين على تراب هذا الوطن.

ويمتد حضور الزيتون في الأردن من سهول إربد الخصيبة، مرورًا بجبال عجلون وجرش التي عُرفت بمدرجاتها المزروعة، وصولًا إلى جبال البلقاء وسهول مادبا وعمان، ومنها إلى عمق الجنوب في الكرك والطفيلة. في كل هذه المناطق، يشكّل الزيتون رفيقًا لحياة الناس ومصدرًا للرزق، وذاكرةً تجمع الأجيال.

ولا يقتصر مهرجان الزيتون على عرض الزيت وزيته فحسب، بل يفتح أبوابه أيضًا لمجموعة واسعة من المنتجات الريفية التي تعكس تنوّع البيئة الأردنية وثراءها. فمن المخللات البلدية والزعتر البري والدبس والسماق، إلى العسل الطبيعي والأجبان والألبان ومنتجات الحبوب، إضافةً إلى الأعمال اليدوية التي تبدع فيها سيدات الريف مثل التطريز وصناعة الصابون والمربيات والمشغولات التراثية. وتُظهر هذه المنتجات حجم الإبداع الريفي وقدرة المجتمعات المحلية على تحويل مواردها إلى صناعات ذات قيمة، مما يعزّز مكانة المهرجان كمنصّة اقتصادية وثقافية شاملة.

ويمنح المهرجان لكل مزارع فرصة ليعرض ثمرة جهده، وليقدّم للزائرين صورة حقيقية عن العمل الشاق الذي يبذلونه في سبيل الحفاظ على هذه الشجرة المباركة. كما يفتح المجال أمام الشباب والنساء والمنتجين في القرى والبوادي لتمكينهم اقتصاديًا وتعريف المجتمع بما يقدمون من منتجات تراثية عالية الجودة.

ولا يقف دور مهرجان الزيتون عند حدود دعم الاقتصاد المحلي؛ بل يتجاوز ذلك ليصبح فعالية وطنية توطّد العلاقة بين الإنسان والأرض، وتبعث رسالة فخر واعتزاز بكل ما هو أردني. فهو مناسبة يتشارك فيها الناس حكايات الريف، ورائحة المعاصر القديمة، وذاكرة العائلة التي لا تخلو من موسم قطاف الزيتون.

وهكذا، يبقى مهرجان الزيتون حدثًا سنويًا يذكّر الأردنيين بأن هويتهم وُلدت من رحم الأرض، وأن العمل الكادح هو الذي صنع هذا الوطن ورفع اسمه. ومن خلاله تستمر الحكاية… حكاية شجرة خضراء لا تنحني، تمامًا كأهلها