صالح الشرّاب العبادي
الأردن يراقب المشهد( الفلسطيني الإسرائيلي ) بعين القلق والريبة، وهو يدرك أن أي انهيار في غزة أو تهجير جديد سيطال أمنه وحدوده وخاصة مع النهج الجداري الإغلاقي الخانق والمميت للقضية الفلسطينية والحدود مع الضفة وفلسطين مع الجولان ، والتمدد الاسرائيلي جنوب سوريا على الحدود الشمالية للأردن بحجة الدفاع عن الدروز ، فالأردن ليس فقط دولة مضيفة لملايين الفلسطينيين، بل الداعم الأول للقضية الفلسطينية و الحاضنة التاريخية لملف القدس والوصاية الهاشمية على مقدساتها ، ومع اختفاء حل الدولتين من الخطاب الدولي، تزداد الضغوط على الأردن لتقديم تنازلات أو القبول بترتيبات نهائية لا تُبقي للفلسطينيين إلا ظلال وطن ، لكن الأردن ، رغم التحديات الاقتصادية والسياسية، يرفض فكرة التوطين والوطن البديل رفضاً قاطعاً رسمياً وشعبياً ، وتتمسك برفض صفقات تُفرض تحت الضغط أو بوهم الدعم الدولي ، فالأردن هو الداعم الرئيس لفلسطين وهو المتأثر ايضاً الاول في حال اختلت الموازين ..
الضفة الغربية: سلطة بلا سيادة وشعب بلا أفق
في الضفة، تتلاشى السلطة الفلسطينية تدريجيًا، ويزداد غضب الشارع أمام انسداد الأفق السياسي، وانتشار الاحتلال في تفاصيل الحياة اليومية ، وخنق الضفة بالسلاح والجدار ، إسرائيل تعيد رسم الخريطة من جديد، لا كدولة ديمقراطية او تسعى إلى السلام ، بل كقوة استعمارية حديثة تسعى إلى ضم الضفة نهائيًا واحتلال غزة وتهجير شعوبها ، زيارة ترامب قد تكون، من زاوية أخرى، محاولة لإعادة هندسة المشهد الفلسطيني، إما بخلق قيادات بديلة، أو بتكريس الانقسام بين غزة والضفة، او بالتصميم على التهجير ، ليصبح الحديث عن “دولة فلسطينية” محض خيال.
الصين وروسيا وأمريكا: الشرق الأوسط ساحة نزاع عالمي
المنطقة ليست بمنأى عن الصراع بين القوى الكبرى ، فبين الحرب في أوكرانيا والمفاوضات في الرياض ، وصعود الصين كقوة اقتصادية وعسكرية، بات الشرق الأوسط يُستقطب في لعبة النفوذ الكبرى. الولايات المتحدة، عبر زيارات مثل زيارة ترامب، تحاول منع التمدد الصيني والروسي، والحفاظ على نفوذها التاريخي ، لكن الواقع تغيّر: فالدول العربية باتت تلعب على حبال متعددة، فدول تتراجع في الاقليم ودول تتقدم ( ايران وتركيا) ( الصين والاتحاد الاوروبي) ( روسيا وأكرانيا )( إسرائيل وتركيا) ولم تعد واشنطن وحدها مركز القرار ، ومن هنا، تبدو زيارة ترامب أيضًا محاولة لاستعادة هيبة أمريكية تتآكل، في عالم ما بعد الأحادية القطبية.
رياح التغيير تهب من كل الجهات
ليست زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط حدثًا معزولًا، بل هي جزء من زلزال سياسي وجغرافي يضرب المنطقة ، مركزه ، تصفية القضية الفلسطينية كمشروع اسرائيلي كبير بالتمدد الأفقي الرباعي لإسرائيل ، بداية من حرب غزة، إلى إعادة تشكيل الخرائط الى الملف النووي الايراني ، من تهديد المضائق، إلى اختفاء حل الدولتين، ومن صراع الكبار، إلى مخاوف الجيران… كل شيء يتحرك ، والسؤال الآن: هل نحن على أعتاب صياغة شرق أوسط جديد بالفعل والذي حتماً هو لصالح إسرائيل؟ أم أمام إعادة إنتاج الكوارث القديمة بثوب مختلف؟