عماد الفييري يواجه الحرب بجسدٍ ناقص وقلبٍ مثقل بالفقد

mainThumb
عماد الفييري يواجه الحرب بجسدٍ ناقص وقلبٍ مثقل بالفقد

08-07-2025 10:13 AM

printIcon

أخبار اليوم - في خيمة مهترئة داخل أحد مخيمات النزوح وسط مدينة غزة، يجلس عماد الفييري، الستيني الذي يعيش في منطقة الصحابة، محاطًا بأطفاله وزوجته الجديدة، وعيناه ممتلئتان بحزنٍ عمره عشر سنوات، لكنه اليوم أعمق وأثقل من أي وقت مضى.

هذا الرجل الذي فقد قدمه اليمنى في عدوان 2014 تعايش مع الإعاقة، وواصل حياته بشموخ، لم يكن يعلم أن حربًا أخرى ستسلب منه كل ما تبقّى: كرامته، منزله، زوجته الأولى، وابنه الأكبر.

يقول عماد لـ "فلسطين أون لاين": "قبل الحرب، كنت أعيش رغم الألم، تعلّمت أن أتكيف مع الطرف الصناعي، وأن أعيل أسرتي بشرف، لم أطلب شيئًا من أحد، كانت قدمي المبتورة ذكرى موجعة، لكن الحياة كانت تمضي، أما اليوم، فقد صارت الإعاقة خنجرًا يوميًا في قلبي."

من التحمّل إلى الانكسار

خلال السنوات الماضية، لم يكن عماد يعتمد على الآخرين، كان يجيد استخدام الطرف الصناعي، ويتنقل لتلبية حاجات عائلته، كان مثالًا للصبر والتأقلم، لا ينتظر عطف أحد، وكان يقول لمن حوله: "الكرامة أهم من كل شيء."

لكن منذ السابع من أكتوبر 2023، تاريخ بدء حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، انقلبت حياة عماد رأسًا على عقب.

قُصف منزله في بلدة بيت لاهيا في اليوم الثالث من بداية العدوان الإسرائيلي، قُتلت زوجته الأولى وابنه البكر، واحترق كل ما كان يملك، ومع أنه أُجبر على مغادرة البيت، إلا أنه رفض النزوح إلى الجنوب، وبقي صامدًا في حيّه، يواجه المجاعة، الخوف، وأصوات القذائف التي لم تتوقف.

خيمة بلا كرامة

اليوم، يعيش عماد في خيمة مكتظة بالنازحين، لا كهرباء فيها، ولا دورة مياه مخصصة، ولا دواء يخفف آلام جسده، الطرف الصناعي الذي كان يعتمد عليه تلف، ولم يُستبدل، والكرسي المتحرك الذي حصل عليه قبل أعوام أصبح غير صالح.

يقول: "أقف لساعات في طابور لأحصل على وجبة عدس أو معكرونة لإطعام أبنائي وعائلتي، لا شيء يُهان فيه الإنسان أكثر من شعوره بالعجز أمام أطفاله وهم جائعون"، يقول بنبرة خافتة لكنها مزلزلة.

المراكز التي كانت تقدم له التأهيل أُغلقت، الدعم الإنساني متوقف، والاحتلال يمنع دخول الأجهزة الطبية والأطراف الصناعية.

"حتى الدواء لم أعد أجده، الكرامة اختفت من حياتنا، صرنا أرقامًا في قوائم المنظمات، لا أحد يسمع صوتنا ولا يرانا كبشر"، يقول بمرارة.

مأساة شخصية

لم تقتصر خسارة عماد على ساقه، بل فقد حبه الأول، ورفيقة عمره، وابنه الذي كان يسنده في كل لحظة.

الآن، يعيش مع زوجته الجديدة وأطفاله في ظل الخوف المستمر، ويتساءل كل ليلة إن كان سينجو حتى الصباح.

ومع ذلك، لا يفكر عماد في نفسه فقط، بل في آلاف مثله ممن بُترت أطرافهم، ومُزقت حياتهم، وسُلبت منهم أبسط حقوقهم.

"نحن لا نطلب صدقة، بل عدالة، نريد أن نعيش كما يعيش أي إنسان في هذا العالم، نحن لا نفتقد أطرافنا فقط، نحن نُحرم من كرامتنا… من إنسانيتنا"، يقول عماد وهو ينظر إلى أبنائه بعينين دامعتين.

يرفع عماد صوته برسالة من تحت الخيمة، من بين الركام، من جسده الناقص وروحه المثقلة: "قولوا للعالم إن الفلسطيني المبتور يستحق الحياة… يستحق العلاج، والمأوى، والطعام، والاحترام، لا نريد أن نعيش كضحايا، نريد أن نُعامل كبشر."

قصة عماد ليست استثناءً، بل مرآة لمأساة كبرى يعيشها مبتورو الأطراف في غزة اليوم، تحت حصار وقتل وتجويع، قصة كرامة ضائعة، وعدالة غائبة، وتكافل عالمي تأخر كثيرًا… وربما، لا يأتي أبدًا.

المصدر / فلسطين أون لاين