أخبار اليوم - في قلب مدينة غزة، وبين ركام الحرب والدمار الذي خلفته آلة الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ينبثق أمل جديد اسمه "قصر الطلبة". "قصر الطلبة" ليس قصرًا ملكيًا، بل هو مبادرة شبابية خالصة، تحولت فيها صالة أفراح مدمرة إلى مساحة مجانية لتجمع مئات الطلاب والطالبات من جميع المراحل التعليمية، لتلقي دروسهم عبر التعليم الإلكتروني، وسط انقطاع الكهرباء وغياب الإنترنت عن أغلب مناطق القطاع.
وفي وسط دمار متعمد أحدثه الاحتلال وطال المدارس والجامعات وشبكات الكهرباء والاتصالات، وجد الطلاب أنفسهم أمام معركة موازية للحرب، معركة الحفاظ على حقهم في التعليم، وهنا جاءت مبادرة قصر الطلبة كطوق نجاة. مبادرة شبابية خالصة يقول المبادر محمد الشريف، أحد القائمين على المشروع: إن فكرة قصر الطلبة، انطلقت بعد عودته من النزوح القسري جنوب القطاع، إذ شعر بالحاجة الماسة لتوفير مكان آمن للطلاب الذين تشتتوا بسبب الحرب وفقدوا القدرة على مواصلة تعليمهم.
وأضاف الشريف لصحيفة "فلسطين" أنه قرر برفقة شقيقيه وصديقه، تحويل صالة أفراح مدمرة بمساحة 600 متر مربع إلى مركز تعليمي مجاني. وفي البداية، والقول للشريف: كانت الخطة تقتصر على استقبال 30 إلى 50 طالبًا فقط، لكن سرعان ما توافد المئات من الطلبة على المكان، حتى تجاوز العدد 500 طالب وطالبة. فلم يتردد الشريف، وفريقه باستقبال الطلبة، بل وسّعوا الاستيعاب من خلال تقسيم الطلبة إلى مجموعات تتناوب على مدار الأسبوع، حتى أيام الجمعة، ومددوا ساعات العمل من الساعة التاسعة صباحًا إلى الساعة التاسعة مساءًا، بعد أن كانت إلى الثانية بعد الظهر.
ويعتمد القائمون على المشروع بشكل كامل على تمويلهم الذاتي، حيث يتم توفير الكهرباء والإنترنت مجانًا للطلبة، وتُغطى النفقات جزئيًا من أرباح مقهى صغير افتتحه الشريف، لهذا الغرض، وبحسب قوله: "من حق كل طالب أن يجد مكانًا يتعلم فيه دون أن يُثقل كاهله هم الكهرباء أو الإنترنت. وتقول نور لبد، وهي طالبة في السنة الرابعة بقسم التصميم الداخلي، لصحيفة "فلسطين": إن قصر الطلبة، أنقذ مستقبلي الأكاديمي، كنت أعاني من غياب الكهرباء والإنترنت وارتفاع تكاليفهما، وهذا المكان وفر لي بيئة مناسبة للدراسة مجانًا، ثلاثة أيام في الأسبوع، لثلاث ساعات يوميًا".
أما أمل حماد، طالبة تجارة، فتؤكد لصحيفة "فلسطين" أن المبادرة مكنت مئات الطلاب من مواصلة تعليمهم، مشددة على ضرورة استمرارها ودعمها من قبل المؤسسات والمتبرعين. وقالت حماد: "نحتاج إلى استمرار هذا المكان، لا نريد أن نؤجل امتحاناتنا أو نضيع مستقبلنا بسبب غياب الإنترنت أو الكهرباء".
ووجد عدد من طلاب الثانوية العامة والجامعات وحتى طلبة الدراسات العليا، في قصر الطلبة ملاذًا حقيقيًا، فعدد كبير منهم كان مضطرًا للتنقل من منطقة إلى أخرى بحثًا عن نقطة اتصال بالإنترنت أو مصدر كهرباء، ما شكل خطرًا على حياتهم، خاصة أن قوات الاحتلال استهدفت عدة أماكن كان الطلاب يتجمعون فيها لتلقي تعليمهم الإلكتروني. تحديات مستمرة ولا تزال المبادرة تواجه تحديات كبيرة، أبرزها ارتفاع تكلفة تشغيل الكهرباء والإنترنت، واحتياج المكان إلى صيانة وتوسعة مستمرة لتلبية الأعداد المتزايدة من الطلاب.
ويشير الشريف، إلى أنه اضطر لشراء أجهزة وكوابل خاصة لتمديد الكهرباء والإنترنت في المكان على نفقته الخاصة. ويعمل قصر الطلبة، يوميًا من التاسعة صباحًا وحتى التاسعة مساءً، ويستقبل حوالي 50 طالبًا وطالبة يوميًا، بتنظيم دقيق يضمن الهدوء والتركيز، وتقسيم عادل للوقت والموارد. كما بدأ يتلقى طلبات من طلاب دراسات عليا، ما يدفعه للتفكير في توسيع نطاق المشروع. ورغم أن مدة المشروع كانت مقررة لثلاثة أشهر فقط تزامنًا مع الامتحانات، إلا أن إصرار الطلبة ورفضهم توقف المبادرة، دفع القائمين عليها لتمديدها.
ويكمل الشريف: "لن نتوقف، طالما الطلاب بحاجة إلينا"، مؤكدًا أن الابتسامة التي يراها على وجوه الطلبة كل يوم هي الوقود الحقيقي لاستمرارهم. مبادرة قصر الطلبة، هي أكثر من مجرد مكان؛ هي رسالة صمود، ودليل على أن التعليم في غزة لا يمكن أن يُهزم، ومع تواصل الحرب والحصار، يأمل القائمون على المشروع أن تتبناه جهة داعمة أو مؤسسة خيرية لتأمين الاحتياجات الأساسية من كهرباء وإنترنت، وضمان استمرار هذا المركز الذي بات شريان حياة أكاديمي لمئات الطلبة.