أخبار اليوم - عواد الفالح - في شوارع العاصمة عمّان، كما في إربد والزرقاء وعدد من المدن الأردنية الكبرى، تبرز في الآونة الأخيرة ظاهرة مقلقة باتت تمسّ حياة الناس بشكل مباشر: سرقة أغطية مناهل الصرف الصحي من الطرقات العامة، وتحويلها إلى خردة تُباع مقابل مبالغ زهيدة، دون أي اعتبار لما تسببه هذه الأفعال من أخطار كبيرة على الأرواح والممتلكات والسلامة العامة.
المنهل الواحد لا يتجاوز وزنه 25 كيلوغرامًا، ويباع بأقل من 5 دنانير، لكنه قد يتسبب في سقوط طفل، أو تهشم مركبة، أو يتسبب بفيضانات عند انسداد مجاري التصريف. المشكلة لم تعد حادثًا فرديًا، بل ظاهرة تتكرر في أكثر من حي ومنطقة، وسط غياب حقيقي للردع وضعف الرقابة.
تؤكد شهادات من مواطنين في مختلف المحافظات أن هذه الأغطية تُسرق ليلًا، في مناطق خالية من المارة أو في أطراف الأحياء، ويتم بيعها لمحال الخردة دون مساءلة، رغم أن شكلها واستخدامها واضحان تمامًا. الغريب أن أغلب هذه المحال لا تطلب إثباتًا لمصدر المواد، ولا توجد قاعدة بيانات تربط عمليات الشراء هذه بأي نظام تتبعي، الأمر الذي يتيح للفاعل التخلص من المسروقات بسهولة.
السرقة هنا لا تقتصر على الاعتداء على المال العام، بل تتعداها إلى تهديد السلامة العامة بشكل صارخ. فمن المسؤول عندما تسقط مركبة في حفرة؟ أو حين يُصاب طفل أثناء مروره؟ المواطن هو المتضرر المباشر، لكن الدولة هي التي تتحمل أعباء الإصلاح والتعويض لاحقًا، في دوامة من الاستنزاف.
الكثير من المواطنين عبّروا عن سخطهم مما يجري، وتساءلوا: أين الرقابة؟ كيف تُترك المناهل مكشوفة لأيام دون متابعة؟ أين دور البلديات وأمانة عمّان والجهات الأمنية؟ وإن كانت الكاميرات تغطي الشوارع، فلماذا لا يتم استخدام التسجيلات لضبط السارقين ومحاسبتهم؟ وهل أصبح الحديد أهم من الإنسان؟
الخلل لا يكمن فقط في من يسرق، بل أيضًا في من يشتري، ومن لا يبلّغ، ومن لا يُفعل الرقابة. ما يحدث هو منظومة متكاملة من الإهمال وسوء المتابعة. والمطلوب اليوم ليس فقط تعديل في الإجراءات، بل تعديل في الوعي، في التشريعات، في طريقة تعامل الدولة مع هذا النوع من الجرائم.
الحل يبدأ من تغليظ العقوبات على هذا النوع من السرقات، وربط بيع المواد الحديدية بإثباتات ملكية ومصدر واضح، وتفعيل نظام مراقبة حقيقي لمحال الخردة، وتحديد مسؤولية البلديات في الرقابة اليومية على البنية التحتية. كما أن إدخال تقنيات جديدة في تصميم أغطية المناهل لتثبيتها بطريقة يصعب انتزاعها، بات ضرورة.
لا يمكن تبرير هذه الأفعال بالجوع أو الحاجة، فمن يسرق غطاء منهل قد يقتل إنسانًا دون أن يدري. وحتى من يشتري دون أن يسأل عن المصدر، شريك في الجريمة. هذه ليست سلوكيات فردية، بل تهديد مباشر لأمن الناس وسلامتهم.
سرقة المناهل ليست مجرد اعتداء على ممتلكات الدولة، بل اعتداء على حياة الناس. ولأن الأرواح لا تُعوّض، يجب أن يتوقف هذا العبث فورًا، وبقوة القانون، وبصرامة المتابعة، وبضمير الجميع.