وجوه لا تعرف .. شباب غزة يوثقون ملامحهم بعد أن نهشهم الجوع

mainThumb
وجوه لا تعرف.. شباب غزة يوثقون ملامحهم بعد أن نهشهم الجوع

06-08-2025 10:08 AM

printIcon

أخبار اليوم - من أجساد ممتلئة وملامح مشرقة تشع بهجة ونشاطًا، إلى صور لوجوه شاحبة وأعين غائرة وأجساد نحيلة، كان هذا هو الفارق الصادم في الصور الحديثة التي نشرها شباب غزيون على صفحاتهم في "فيسبوك"، كاشفين عن أثر المجاعة التي يعيشونها منذ اندلاع الحرب، مقارنة بصورهم قبلها.

لم تكن تعليقات الأصدقاء تحمل "إيموجيات" ضاحكة أو مجاملات كما كان معتادًا قبل الحرب، بل جاءت كلها تعبيرًا عن الاستغراب والذهول من حجم التغيّر الذي طرأ على ملامحهم، حتى بدا وكأنّهم أشخاص آخرون. ورغم محاولات البعض الحفاظ على ملامحه السابقة، فإن قسوة الحرب كانت أقوى من تلك المحاولات.

نحو ثلاثين كيلوغرامًا من النقص

كان الفرق كبيرًا بين صوره القديمة والحديثة، كما يقول الشاب ولاء بارود، الذي لم يفقد فقط نحو 30 كيلوغرامًا من وزنه، بل تبدلت ملامحه كليًا.

يقول بارود لصحيفة "فلسطين": "بدأت ملامحي تتغير في الشهر الثاني من الحرب، كنت في مدينة غزة وعشنا حالة تجويع شديدة استمرت لأيام، لم نجد ما نأكله سوى نبتة الخبيزة التي تنبت في الأراضي الفارغة، فكنّا نغليها ونأكلها، لأن الاحتلال فصل شمال القطاع عن جنوبه ومنع إدخال أي شيء".




ويضيف بارود: "رحلة توفير الطعام والماء والخبز أصبحت معاناة يومية لكل الغزيين. كنا ننقل الماء يدويًا يوميًا، وفي ظل حرارة الصيف، كانت الأجساد تتقرّح، والجلد يتغير لونه. أما الطعام، فكان شحيحًا، نبحث عن أي شيء يسد رمق أطفالنا".

وعن ردود فعل أصدقائه على صوره، يروي: "تحدثت مع صديق يعيش خارج غزة، لم يصدق أن الصورة لي، والكثير من أصدقائي صُدموا من التغيّر الذي طرأ علي".


أما الشاب محمد مطر، فكانت تجربته أكثر قسوة. إذ فقد 63 كيلوغرامًا من وزنه، وتساقط شعره، وأصبح بوجهٍ شاحب ونحيل لدرجة أن أصدقاءه لم يعودوا يتعرفون عليه في الشارع.

يقول مطر لصحيفة "فلسطين": "الناس كانت تعرفني بشكل معين، والآن أصبحت بملامح أخرى. كثيرًا ما أسلّم على أشخاص أعرفهم فلا يتعرفون علي، وعندما أذكر لهم اسمي يصابون بالذهول".

كان مطر، المقيم في مخيم الشاطئ، يزن قبل الحرب 145 كغم، أما اليوم فلا يتجاوز وزنه 81 كغم، ويواصل وزنه الانخفاض. بالكاد يحصل على وجبة يومية غير مشبعة، وخالية من العناصر الغذائية اللازمة، في ظل استمرار إغلاق المعابر منذ 2 مارس/ آذار الماضي.

تفاقمت حالته الصحية بسبب إصابة تعرّض لها مع بداية الحرب أثناء نزوحه جنوبًا، وما تلاها من تشرد في خيام الإيواء وتفرّق أسرته، ليصبح عرضة للجوع والإرهاق النفسي والجسدي، وهو ما جعله يفقد كتلته الجسدية بسرعة مخيفة.



من التتويج بالكؤوس إلى حمل الطحين

حتى الرياضيون في غزة لم يسلموا من آثار المجاعة. كثيرون نشروا صورًا قديمة أثناء تتويجهم بالبطولات ورفعهم الكؤوس والميداليات، مقابل صور حديثة وهم يحملون أكياس الطحين أو دلاء المياه، بأجساد منهكة وملامح تغيرت بالكامل.

في مقطع فيديو، ظهر بطل كمال الأجسام ماهر حبوش يرفع أوزانًا ثقيلة في صالة رياضية، بجسد مفتول العضلات، ثم عُرضت لقطات له يحمل كيس طحين لأطفاله، وقد بدا عليه الهزال وضعف البنية.



يقول حبوش لصحيفة "فلسطين": "كنت أتناول خمس وجبات يوميًا قبل الحرب، وأتدرب منذ 15 عامًا، وشاركت في بطولات محلية وعالمية، لكن خلال المجاعة الأولى والحالية فقدت وزني ولم أعد قادرًا على التمرين. لا طعام صحي ولا طاقة كافية للجسم".

وللحفاظ على ما تبقى من ارتباطه بالرياضة، يذهب حبوش مرة أسبوعيًا إلى النادي، دون رفع أوزان، ويقول: "أذهب فقط لتغيير نفسيتي، لا لبناء عضلات، لأن الظروف لا تسمح".

استعاد وزنه مؤقتًا خلال التهدئة التي أُعلنت في يناير/ كانون الثاني 2025، مع السماح بدخول شاحنات مساعدات، لكنه عاد لخسارة وزنه مجددًا في المجاعة الأخيرة التي تفوق قسوتها سابقاتها.

ورغم كل ذلك، اضطر حبوش إلى تعريض حياته للخطر مرتين، لجلب كيس طحين من مناطق خطيرة كـ"النابلسي" و"زيكيم" شمال القطاع.

وعن ذلك يقول: "أنا أب لطفلتين، ولا خيار لدي سوى تأمين الطعام لهما، في ظل الأسعار الجنونية ونقص المواد الأساسية".

كان من المفترض أن يشارك في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 في بطولة عربية لكمال الأجسام، وبعدها بطولة عالمية في إسبانيا، لكن الحرب دفنَت حلمه وأبقته داخل غزة، يصارع الجوع والنزوح. ومع ذلك، يظل سجله الرياضي مصدر فخر له، إذ فاز بالمركز الأول في بطولة دبي، والثاني في بطولة غرب آسيا، والثالث في بطولات إقليمية أخرى.



فلسطين أون لاين