قبل السياسة والأحزاب .. الأردنيون يريدون حلولاً للجوع والبطالة وحماية الهوية

mainThumb
قبل السياسة والأحزاب.. الأردنيون يريدون حلولاً للجوع والبطالة وحماية الهوية

26-08-2025 05:39 PM

printIcon

الأردنيون بين ثقل الأحزاب وخبز اليوم

أخبار اليوم - كتب محرر الشؤون المحلية - على الساحة السياسية، تتكاثر الأحزاب كما لو أنّها وصفة جاهزة لكل أزمة، لكن في الشارع ثمة قراءة أخرى: الناس يسألون عن الخبز قبل البيان، وعن الوظيفة قبل البرنامج، وعن فاتورة الكهرباء قبل الأيديولوجيا. هذا التباين يفتح الباب لجدل عميق: هل نحن أمام تجربة حزبية تعكس حاجة وطنية حقيقية، أم أمام إعادة تدوير لأدوات بلا مضمون؟

الناس لا يرفضون فكرة الحزب من حيث المبدأ، بل يعترضون على الأداء. حين يقال "حزب جديد"، تتبادر إلى الأذهان صور المقرات والسيارات والولائم، لا صور البرامج الاقتصادية ولا سياسات الإصلاح. المواطن جرّب الوعود من قبل، ويدرك أنّ الطريق إلى البرلمان صار محفوفاً بالأحزاب أكثر من كونه محفوفاً بالأفكار. لذلك فإن الثقة شبه معدومة، والإقبال ضعيف، والتعاطي مع الأحزاب غالباً ببرود أو سخرية.

في المقابل، هناك حقيقة لا يمكن إنكارها: لا ديمقراطية بلا تنظيم، ولا صوت مؤثر بلا كيان سياسي. لكن المشكلة أن هذه الكيانات ظلت بعيدة عن الناس، عاجزة عن صياغة خطاب يلمس همّ الفقر، أو يقدّم حلولاً لأزمة البطالة، أو يطرح رؤية واضحة للتعليم والصحة. كل ما يراه المواطن اليوم هو شعارات عن "الهوية الوطنية" أو "المشروع الأيديولوجي"، فيما يزداد دخله تآكلاً ويزداد وضعه الاقتصادي هشاشة.

ما يميز المزاج الشعبي الآن هو السخرية الممتزجة بالخذلان. فحين يسمع المواطن عن حزب جديد، يتساءل: هل سيحل مشكلة القروض؟ هل سيخفّض فاتورة الماء والكهرباء؟ أم أنّه مجرّد سلم قصير للوصول إلى النيابة والوزارة؟ هنا تظهر أزمة ثقة كبرى، لأن الأحزاب لم تبرهن بعد أنها معنية بتغيير حياة الناس، بل فقط بتغيير مواقع كوادرها.

من زاوية تحليلية، يمكن القول إن الأزمة ليست في كثرة الأحزاب بحد ذاتها، بل في غياب أحزاب ذات مشروع وطني متكامل. التجارب العالمية تُظهر أن الحزب القوي يُبنى على برنامج اقتصادي واجتماعي وسياسي واضح، بينما في حالتنا الراهنة الأحزاب تُبنى على ردود أفعال ومناكفات. النتيجة: فراغ سياسي يتسع، ومواطن يرى في الحزب "دكانة" لا "مشروع دولة".

الأردن بحاجة إلى حياة حزبية فاعلة، لكن قبل ذلك هو بحاجة إلى مصارحة. على الأحزاب أن تعترف أن زمن الخطاب الفضفاض انتهى، وأنها إن لم تقدّم حلولاً جذرية لمشاكل الناس فلن تكتسب الشرعية الشعبية. فالجوع لا يعالجه بيان، والبطالة لا تحلها خطبة، والهوية الأردنية لا تحفظها شعارات، بل يحفظها مشروع اقتصادي اجتماعي يعيد الثقة بين المواطن ومؤسساته.