يشكون الفقر ويحتفلون ببذخ

mainThumb

27-08-2025 11:26 AM

printIcon

في الوقت الذي تتعالى فيه أصوات شاكية من سوء الأحوال الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة، نلاحظ على أرض الواقع مشهداً مختلفاً تماما، فالأسر التي تشتكي من الفقر،وتندب حالها على وسائل التواصل الاجتماعي وفي المجالس العامة، هي نفسها التي تقيم حفلات تخرج الثانوية والجامعات وأعياد الميلاد ، فما هذا الفصام؟.

وهذه الأسر تستعرض بموائد لا تقل فخامة عن مناسبات الزفاف، و تنظم “جاهات” لا تخلو من الاستعراض والمبالغة، وتحتفل بأعياد ميلاد بتكاليف قد تعادل رواتب شهرية كاملة، كل ذلك تحت عنوان"الفرح واجب"، إلا أن معظم هذه الممارسات تقليد أعمى واستعراض أجوف ومصاريف تعكس حالة انفصام .

السؤال الذي يستدعي التوقف : هل تعاني فعلا من أزمة اقتصادية ومعيشية كما نقول؟ أم إن الشكوى من ضيق الحال أصبحت عادة نمارسها تلقائيا، بينما نعيش نمطاً استهلاكياً لا يعكس هذه الشكوى مطلقا؟ وهل باتت هذه المناسبات الاجتماعية عبئا مفروضا بقوة العادة والتقليد ، أم إنها جزء من سباق استعراضي لا نستطيع الانسحاب منه خشية "كلام الناس"؟.

المشكلة لا تكمن بالفرح بحد ذاته، فالفرح حاجة إنسانية لا غنى عنها، بل في الطريقة التي نحتفل بها، وفي الكلفة التي تتحملها الأسر مقابل ذلك، فكثير من المناسبات، سواء كانت حفلات تخرج أو جاهات أو اعراس، لم تعد مجرد لحظات للاحتفال فقط، بل تحولت إلى "مناسبات تستنزف"موارد العائلة، وربما تدخلها في دوامة من الديون، أو تحرمها من تلبية احتياجات أكثر أهمية كالتعليم، والصحة، وحتى دفع الفواتير المتراكمة.

والسؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا وعلينا ان نجيب عليه بصدق، يكمن في: لماذا نشتكي من الفقر ثم ننفق بسخاء لماذا نستدين لإقامة حفلة ثم نعود في اليوم التالي لنقول "الراتب ما بكفي"؟ والبلد خربانة..؟ وهل أصبحنا نعيش انفصاماً بين ما نعلنه وبين ما نفعله؟ أهو تناقض فردي، أم أننا نمارسه كمجتمع كامل، نغرق في التذمر صباحا وننغمس في المظاهر ليلا؟

خلاصة القول، ما نراه اليوم من انفصال بين الشكوى من "الظروف المعيشية" و"حجم الإنفاق"على المظاهر الاجتماعية، ليس مجرد تناقض عابر، بل علامة على خلل عميق بأولوياتنا وثقافتنا الاجتماعية، وهنا لا يمكن لمجتمع أن يطالب بالإصلاح الاقتصادي بينما يغرق في الوقت نفسه بسلوك استهلاكي مفرط لا يخدم إلا التظاهر وإرضاء العيون، فالإصلاح يبدأ من عندك وحينها فقط سنتحرر من هذا الانفصام الذي نمارسه ببراعة، دون أن نجرؤ على الاعتراف به.