أخبار اليوم - أعلن اللواء الدكتور فراس عقيل الدويري إحالتَه إلى التقاعد بعد مسيرة عسكرية وأمنية امتدت نحو خمسة وثلاثين عاماً في جهاز الأمن العام الأردني، مؤكداً اعتزازه بما حققه من محطات مشرّفة في ميادين الشرف والرجولة.
وقال الدويري في رسالة وداع مطوّلة حملت عنوان «وداعاً سلاحي» إنه نال شرف الترفيع إلى رتبة لواء، وهي ثمرة رحلة طويلة بدأها من مقاعد جامعة مؤتة، وصولاً إلى مواقع قيادية في مديرية الأمن العام، حيث خدم في مختلف الميادين الأمنية والشرطية، من المراكز الأمنية والبحث الجنائي، إلى التدريب وأكاديمية الشرطة الملكية، ثم العلاقات العامة وشرطة شرق عمان، قبل أن يتدرج في مركز القيادة والسيطرة ومديرية العمليات، ويتولى إدارة السير، وصولاً إلى إقليم الجنوب.
واستعرض الدويري أبرز إنجازاته، وفي مقدمتها تطوير مفهوم العمليات الأمنية وتحديثه تقنياً وقانونياً، والمساهمة في إخراج قانون السير الجديد إلى النور حفاظاً على الأرواح والسلامة المرورية. كما أشار إلى فترات عمله في قوات حفظ السلام، وانتدابه إلى دولة قطر، وتمثيله للأردن في محافل دولية.
وأكد الدويري أن جهاز الأمن العام «عشقه الأول وموطن اعتزازه» وركيزة استقرار الدولة الأردنية، مشيداً بدوره كشريك فاعل في حفظ السلم المجتمعي وصون قيم الدولة. وعبّر عن امتنانه لرفقاء السلاح وكل من سانده في مسيرته، معتذراً لكل من ظن أنه أساء إليه، ومؤكداً أنه يغادر ميادين السلاح «لكن يبقى رجل أمن يفتدي تراب الأردن بالغالي والنفيس».
وختم الدويري رسالته بالتأكيد على الولاء للوطن والقيادة الهاشمية قائلاً: «الله… الوطن… الملك»، داعياً الله أن يحفظ الأردن وقيادته وشعبه.
نص مقال اللواء فراس الدويري الكامل – «وداعاً سلاحي»
بسم الله وعلى بصيرة من أمري وصدق يقيني فقد تم تكريمي اليوم بالترفيع إلى رتبة لواء (جنرال )وهي طموح المثابرين ومحبي الأوطان، كما أنه وقد حطت الركاب بإحالتي إلى التقاعد، بعد مسيرةٍ طويلةٍ من العطاء، امتدت لما يقارب خمسةً وثلاثين عامًا مضت كطيف برق لا يدركه البصر في ميادين الشرف والرجولة والعزيمة.
أحمد الله حمدًا كثيرًا، حتى يشيب كل رحيب، ويغيب كل نجيب، فهي لحظة لم تسد لها قصبات الحناجر، ولا تذرف لها الماء حدقات المحاجر ، لكنها تترك وقعها في أجفان الأبصار، وتحمل في طياتها ذكرى عمرٍ مضى بخطى ثابتة وعزمٍ لا يلين لأطوي صفحة من صفحات العمر كتب فيها العرق وختمت بالشرف وسطرت على جدار الزمن بالإيثار والوفاء .
لقد كنت فارسًا من فرسان الأردن، عُهد إليّ بالأمانة، فكنت ممن حملها بشرف، وصانها و حافظ عليها، ولم يدنّس الزيف أفكاري، بل ظلّت مبادئي صافية نقية تحب الله والوطن والقيادة الهاشمية.
من جامعة مؤته…. بدأت الحكاية
هي السيف والقلم ومن بين أوراقها ابتدأت رحلتي، حيث تشرفت بالانتساب إليها، ونلت منها درجة البكالوريوس، ثم تابعت طريقي في جني المعرفة و التعلم، فحصلت على الماجستير، والدكتوراه.
كان العلم سلاحي الثاني، وثِقَل ميزاني حين تشتد المواقف، فاخترت طريق القلم ليكون نِعم الرفيق.
أما جهاز الأمن العام... فهو موطن إعتزازي وانتمائي
هو عشقي الأول، وسكني، وموضع ولائي، فيه نذرت زهرة عمري، ومنه تنفّست كل معاني الفخر، وأكرمني بأن أكون أحد أبنائه.
منحني فرصة المشاركة في قوات حفظ السلام، وأتاح لي الانتداب للعمل في دولة قطر، فزادت مداركي، وتشعبت خبراتي.
وخلال خدمتي، تشرّفت بزيارة العديد من دول ومدن العالم، ممثلاً للأمن العام والأردن بكل فخر فقد كان اجتهادي وما الانسان الا ساع.
سأتحدث كثيراً عن جهاز الأمن العام الأردني الذي نحب بوصفه أحد أعمدة الاستقرار في الدولة، ومؤسسة وطنية متجذّرة في ضمير الأردنيين.
منذ تأسيسه، لم يكن الأمن العام مجرّد جهاز أمني يُعنى بتطبيق القانون فحسب، بل كان ولا يزال شريكا فاعلا في حفظ السلم المجتمعي، وحاميا لقيم الدولة، ودرعا منيعا في وجه كل ما يهدد أمن الوطن والمواطن.
الأمن العام يقف على أرض صلبة، بخبرته، وأبناءه، وانتمائه الصادق لتراب الأردن وقيادته الهاشمية وهو طريقنا وطوقنا للمستقبل المشرق.
محطاتٌ مشرقة في الطريق
خدمت في معظم ميادين العمل الشرطي والأمني في كافة ارجاء اردننا الحبيب ابتداءً في المراكز الأمنية والبحث الجنائي، تلاها حقبة متنوعة في مراكز التدريب وأجملها أكاديمية الشرطة الملكية ثم العلاقات العامة ومديراً لمديرية شرطة شرق عمان وصولاً إلى مركز القيادة والسيطرة ثم مديرية العمليات مساعداً ثم مديراً، وكان لي شرف تحديث مفهوم العمليات وتطويره تقنيًا وقانونيًا.
كما عملت مديرًا لإدارة السير، فكنت جزءاً ممن حمل الهمّ المروري ووضع الحلول المستقبلية وتطويع التكنولوجيا لخدمته، وشاركت مع الشركاء في إخراج قانون السير الجديد إلى النور، حفاظًا على الأرواح والسلامة المرورية في الطرقات.
وبإقليم الجنوب الأشم أختم الحكاية بكل تفاصيلها الجميلة.
وتلك كانت رؤيا والدي...
لقد أكرمني الله، فكنت امتدادًا لحلم والدي وطموحه بأن أكون تكراراً له وقد حاولت، وهو الذي غرس في نفسي الإصرار والعزيمة.
وسبحان من لا يضيع سعي المجتهدين، فقد تُوّجت رحلتي العسكرية بنيل رتبة "لواء"، لأطوي الصفحة الأخيرة من كتاب خدمتي، تاركًا أثرًا وبصمة وماضٍ أعتز به، وأمضي راضيًا مطمئنًا، حامدًا لله على كل لحظة شرف فيها هذا المشوار تاركا بينكم أيها الزملاء ذكرى لا تنسى وسيبقى اسمي مرقوماً في سجل من قدم لا بمن ندم.
وفي محطة الشكر والوفاء...
أتقدم بالشكر لكل رفقاء السلاح، مصابيح الدرب، وسند الطريق.
وأخص بالشكر كل من وقف إلى جانبي في مسيرتي، من قادة وزملاء وأصدقاء وهذا وداع لا انكسار فيه ولا ندبة تُروى بل عز يروى.
عملت بصدق نية، وبذلت جهدي في خدمة كل صاحب حاجة، تحقق بعضها، وتعثّر بعضها الآخر خارج حدود صلاحياتي، وأعتذر لمن ظن أنني أسأت إليه، ويشفع لي حسن الظن، وصدق النية، وأحمد الله دائماً الذي أعانني على حمل أمانة المسؤولية.
السلام على كل من أحب الأردن،
السلام على الشهداء،
والسلام على كل من حمل السلاح بصدق وودعه بشرف،
وسيبقى السيف مرفوعًا بيدي ما دمت حياً، وعيني ما غفت وقلبي ما مال عن حب الله ثم الوطن، ثم الملك، وإني إذ أغادر ميادين السلاح فإنني باق في ميادين الولاء والانتماء وستبقى البيارق هاشمية سباقة بعون الله تحت رايةٍ خالدة، رسالتها: الله …….الوطن…….الملك.
من هنا قصة جديدة يملؤها التفاؤل والاتكال على الله ولي إخوة وأصدقاء من كل بيت أردني كريم في الريف والبوادي والمدن ولي في كل محافظة أردنية كثير كثير أحباب.
انتهت محطة، ولكني ما زلت رجل أمن يفتدي تراب الأردن الحبيب بالغالي والنفيس.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ بلادنا ومليكنا المفدى عبدالله الثاني بن الحسين وولي العهد المحبوب الأمير الحسين بن عبدالله وشعبنا من كل سوء.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.