اختلال التوازن بين استيراد المركبات الحديثة والبنية الخدمية في الأردن: فجوة فنية وتكاليف غير مباشرة يتحملها المستهلك

mainThumb
اختلال التوازن بين استيراد المركبات الحديثة والبنية الخدمية في الأردن: فجوة فنية وتكاليف غير مباشرة يتحملها المستهلك

23-06-2025 06:28 PM

printIcon


المراقب الاقتصادي – أخبار اليوم
يشهد قطاع النقل الخاص في الأردن تحوّلًا تدريجيًا في تركيبة المركبات المستوردة والمتداولة، مع دخول طرازات حديثة من السيارات الكهربائية والهجينة، بعضها يحمل أسماء غير تقليدية وغير مألوفة في السوق المحلي. وبينما يُنظر إلى هذا التنوّع بوصفه تطورًا في بنية السوق واستجابةً لاتجاهات عالمية نحو التنقل المستدام، إلا أن هذا التحوّل السريع كشف عن فجوة بنيوية كبيرة في المنظومة الفنية والخدمية المرتبطة بهذه المركبات، الأمر الذي ألقى بآثاره المباشرة على المستهلك الأردني من حيث الكلف، والخدمة، وسلاسة الاستخدام.

في السابق، كانت المركبات المنتشرة في الأردن تنتمي إلى علامات تجارية تقليدية من دول كاليابان وكوريا وألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا، ومعها تشكلت سلسلة خدمات متكاملة على مدار عقود، من توفر الفنيين المؤهلين، إلى قطع الغيار المنتشرة، وصولًا إلى الورش المنتشرة في المدن الصناعية كـ سحاب، ماركا، صويلح، وادي الرمم، وإربد. وكان المستهلك قادرًا على معالجة الأعطال اليومية دون تكبّد كلف زائدة أو أوقات انتظار طويلة، مما وفّر استقرارًا وظيفيًا للسوق ومردودًا ثابتًا لقطاع الصيانة.

أما اليوم، فالمشهد تغير جذريًا. إذ باتت أنواع جديدة من المركبات تدخل السوق، بعضها بدون وكيل واضح أو سجل خدمات معروف، مما خلق حالة من عدم الاتساق بين المعروض في السوق وقدرة قطاع الصيانة المحلي على مواكبته. معظم هذه المركبات، رغم استيفائها شروط الترخيص والرقابة الجمركية، لا تتوافر لها تغطية فنية كافية في المحافظات، ولا كوادر مدربة على أنظمتها الرقمية والكهربية المتقدمة.

هذه الفجوة الخدمية أدت إلى ما يمكن اعتباره اختلالاً في التوازن السوقي بين الاستيراد والاستهلاك والصيانة. فبينما تستورد المملكة مركبات بتقنيات متقدمة، إلا أن سوق الصيانة وقطع الغيار ما زال يعمل وفق نموذج قديم لا يستوعب التطورات التقنية. المواطن، في هذه المعادلة، هو الطرف الأضعف، حيث يجد نفسه أمام خيار العودة الحصرية إلى الوكيل إن وُجد، أو الدخول في سلسلة من الانتظار والشحن للحصول على قطعة غيار أو وحدة تحكم إلكترونية تتطلب أسبوعين إلى شهر للوصول.

من الناحية الاقتصادية، يمكن تصنيف هذه الإشكالية ضمن التكاليف غير المباشرة المرتبطة باقتناء المركبات الحديثة، والتي لا تظهر عند الشراء، بل تتكشّف خلال دورة الاستخدام. ويؤثر هذا الوضع سلبًا على كفاءة الاستهلاك المحلي، ويُضعف من جدوى التحول نحو المركبات الكهربائية والهجينة من منظور التكلفة الكلية لملكية المركبة (Total Cost of Ownership – TCO)، خاصة في ظل غياب دعم لوجستي متكامل.

كما أن هذا الاختلال يُعد عامل ضغط إضافي على ميزان الخدمات الفنية في المحافظات، ويؤدي إلى تركيز الخدمة في مراكز حضرية محددة، بما يعمّق الفجوة الجغرافية في الحصول على الخدمة، ويخلق ازدواجية في سوق الصيانة المحلي بين مركبات قابلة للصيانة العامة، وأخرى تحتكرها مراكز محدودة.

وفي غياب خطة وطنية متكاملة لتأهيل الفنيين، وإنشاء شبكة خدمات معتمدة تغطي كافة أنواع المركبات الحديثة، فإن السوق مهدّد بالتحوّل إلى حالة من الاعتماد غير المستدام على الخارج، سواء في القطع أو المعرفة أو الأجهزة. وهذا يتطلب من الجهات التنظيمية إعادة النظر في سياسة استيراد المركبات، وربطها بقدرة السوق المحلي على خدمتها، وتوفير آليات تمويلية وتدريبية لدعم التكيّف مع هذا التحول.

في المحصلة، يبدو أن ما كان يُروج له كتحوّل نحو "تنقل اقتصادي ذكي" قد تحول في الواقع إلى عبء اقتصادي غير منظور، تتحمله الأسر الأردنية دون حماية تنظيمية كافية، وسط غياب تام لمعادلة «التحول الآمن».



news image