أخبار اليوم - في حي الشيخ رضوان، أحد أحياء غزة المنكوبة، تعيش عائلة الصفدي أيامًا ثقيلة من القلق والخوف على مصير نجلها نضال (52 عامًا)، الذي اختفى منذ سبعة أيام بعد خروجه لجمع الحطب.
في صباح الاثنين الماضي، خرج "نضال" من منزله كعادته مع بزوغ الفجر، يحمل فأسه القديم، متجهًا نحو شمال القطاع لجمع الحطب، علّه يوفر لعائلته ما يُسكت جوعها في ظل شح الإمكانيات وانعدام الوقود. كان يعود دائمًا قبل التاسعة صباحًا، لكن في ذلك اليوم لم يعد.
بدأت العائلة، وعلى رأسها شقيقه "جڤارا"، رحلة بحث مضنية في المناطق الشمالية، تسأل المارة وتطرق أبواب البيوت. يقول جڤارا لصحيفة "فلسطين": "أخبرنا أحد الأشخاص أنه رآه في المنطقة الشمالية يجمع الحطب، ثم اختفى عن الأنظار، ومن يومها لم يصلنا أي خبر مؤكد".
جثمان بلا هوية
بعد يومين من البحث، أخبر أحد الأشخاص العائلة بأنه عثر على جثة في منطقة "العطارة" شمال غرب القطاع، يُرجّح أنها تعود لنضال. قال إنه شاهد عليها آثار نهش الكلاب وإصابات بالغة في الرأس. التقط صورة للجثمان بهاتفه القديم، لكنه تعرّض لإطلاق نار من طائرات استطلاع إسرائيلية، فاضطر إلى دفنه في الموقع خوفًا من تفاقم الخطر، دون أن يتمكّن من التأكد من هويته بشكل قاطع.
يروي جڤارا بألم: "حاولنا التوجه للمكان للتأكد، لكن المنطقة خطيرة جدًا، فكل من يقترب منها يكون هدفًا لطائرات الاستطلاع وقناصة الاحتلال".
وبعد ثلاثة أيام من الغياب، اضطرت العائلة إلى أداء صلاة الغائب وفتح بيت عزاء على أمل التصالح مع الفاجعة وتوديع فقيدهم كما يليق.
رسالة مفاجئة
لكن المفاجأة قلبت المشهد رأسًا على عقب. فبعد ستة أيام من اختفاء نضال، وثلاثة أيام من فتح بيت العزاء، جاء رجل للعائلة وأبلغهم أنه رآه حيًا في منطقة "زكيم"، وهي منطقة عسكرية إسرائيلية قرب الحدود الشمالية لغزة.
وبحسب روايته، فقد شاهده مصابًا في يده اليسرى ويبدو عليه التعب الشديد، مرجحًا أن يكون قد اعتُقل أثناء محاولته الوصول إلى قافلة مساعدات إنسانية. إذ يتعمد الاحتلال ترك الشاحنات في مناطق خطيرة ومنع دخولها، ما يضطر المدنيين للمغامرة بحياتهم من أجل كيس طحين.
هذه الشهادة أعادت الأمل إلى قلوب العائلة، فأغلقوا بيت العزاء فورًا وعلّقوا قلوبهم بالدعاء، ينتظرون خبرًا يؤكد أن "نضال" حي ولو كان أسيرًا. يقول جڤارا: "المهم أنه لم يمت تحت قصف الطيران أو تنهش جسده الكلاب".
صمت الاحتلال
منذ ذلك الحين، طرقت العائلة كل باب. قصدت الصليب الأحمر وقدمت معلومات مفصلة، لكن الرد كان الصمت، كما هو حال باقي المؤسسات الحقوقية. فمنذ السابع من أكتوبر 2023، تمتنع سلطات الاحتلال عن تقديم أي معلومة عن المعتقلين من غزة، وتحرم عائلاتهم والمنظمات من معرفة أماكن احتجازهم أو زيارتهم.
وأكد أسرى محررون أن جيش الاحتلال أنشأ سجونًا سرية يُخفى فيها معتقلو غزة، حيث يتعرضون لأشد أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية.
في بيت الصفدي، يجلس أبناء نضال الخمسة على عتبة المنزل، أعينهم تترقب الشارع وآذانهم تتحسس أي خطوات مألوفة. يقول طلال، أحد أبنائه، بحسرة: "بابنا مفتوح وننظر كل لحظة.. يكفي هذا العذاب".
وما زالت العائلة تناشد: "أوقفوا هذه الحرب، أخبرونا عن مصير أبنائنا. لا نريد شيئًا سوى معرفة إن كان نضال حيًا أم لا".
في حي الشيخ رضوان، يظل بيت الصفدي معلّقًا بين صلاة الغائب وبصيص أمل العودة.
المصدر / فلسطين أون لاين