الطِّفلة أنسام زيد .. صراع مع مرض السَّرطان والحرب

mainThumb
الطِّفلة أنسام زيد... صراع مع مرض السَّرطان والحرب

03-09-2025 02:20 PM

printIcon

أخبار اليوم - داخل خيمة صغيرة في أحد مراكز الإيواء بمدينة غزة، تجلس الطفلة أنسام زيد (14 عاماً)، تنظر بعينين مثقلتين بالتعب والخوف، وتتنفس بصعوبة متقطعة. منذ سنوات وهي تكافح مرض السرطان في الرأس، ورغم صغر سنها اعتادت التنقل بين المستشفيات للعلاج الكيماوي، وكانت تتابع علاجها بانتظام في مستشفى مار يوسف بالقدس المحتلة، لكن الحرب قلبت حياتها رأساً على عقب.

تقول أنسام بصوت واهن: "أنا كنت بتعالج في القدس، ورجعت على غزة قبل الحرب، لكن الاحتلال دمّر المستشفيات واغلق المعابر وما تمكنت من العودة لاستكمال العلاج، وانقطع العلاج والأدوية عني. صرت أشعر بمضاعفات وتعب شديد، وبخاف كل يوم أفقد حياتي. أنا بناشد العالم ومنظمة الصحة العالمية يساعدوني".

فقدت أنسام والدها شهيداً في الحرب، واليوم تجد نفسها تواجه السرطان وحدها داخل خيمة لا تقيها برد الليل ولا حرارة النهار. "النزوح أتعبنا كثير، بنعيش في ظروف قاسية، حتى لو توفر دواء ما بنقدر نشتريه بسبب الوضع الاقتصادي الصعب. أنا بدي أرجع أتعالج وأعيش مثل باقي الأطفال"، تحكي أنسام لصحيفة "فلسطين"، فيما تضع يدها على رأسها الذي بدأ المرض ينهشه بصمت.

أنسام ليست حالة فردية، بل واحدة من آلاف مرضى السرطان والأمراض المزمنة في غزة، ممن انقطعت عنهم سبل العلاج بسبب الحصار وتدمير النظام الصحي. وزارة الصحة في القطاع تؤكد أن أكثر من 17 ألف مريض يحتاجون للسفر للعلاج، من بينهم نحو 2,800 حالة عاجلة لإنقاذ الحياة، لكن الاحتلال يمنع خروج معظمهم عبر حاجز بيت حانون "إيرز" شمالي قطاع غزة.

ويحذر الأطباء من أن مرضى السرطان، مثل أنسام، هم الأكثر عرضة للوفاة، بسبب حاجة أجسادهم لجرعات دوائية منتظمة ومغذيات خاصة. ومع المجاعة التي أعلنت عنها الأمم المتحدة رسمياً في غزة، أصبح هؤلاء المرضى أضعف جسدياً وأكثر عرضة للانتكاسات الخطيرة.

تضيف أنسام والتعب بدا واضحاً على وجهها القمحي: "المجاعة أثّرت عليّ كثير، جسمي صار ضعيف وما في فواكه وخضار ولحوم تساعدني أقوى. جسمي صار عرضة للأمراض والتعب. أنا بخاف أموت من الجوع والمرض مع بعض".

منذ بداية حرب الإبادة التي بدأها الاحتلال في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، دمّرت قوات الاحتلال بشكل واسع المستشفيات والبنية التحتية الصحية. وتفيد تقارير وزارة الصحة بأن أكثر من 80% من المستشفيات والمراكز الطبية خرجت عن الخدمة، إما بسبب القصف المباشر أو انعدام الوقود والأدوية.

حتى المستشفيات الميدانية التي أُقيمت كحل مؤقت، تفتقر للأجهزة والأدوية المتخصصة لمرضى الأورام، ما جعل آلاف المرضى دون علاج مناسب.

الأطباء العاملون في غزة يؤكدون أن الحالات السرطانية تحتاج أجهزة إشعاع متطورة وأدوية كيماوية غير متوفرة محلياً، بينما الاحتلال يرفض إدخالها بحجة "الاستخدام المزدوج".

الحرب لم تترك للطفولة مساحة آمنة في غزة، فأطفال مثل أنسام وجدوا أنفسهم بين سندان المرض ومطرقة الحصار. هي تقول بحزن: "مش بس أنا فقط بحاجة لمساعدة، في أطفال غزة كتير عندهم أمراض، في منهم مقعدين، وفي منهم فقدوا البصر أو الكلى، وفي غيري عندهم سرطان. كلنا بنعاني ونطالب العالم يساعدنا".

ورغم ألمها، لا تزال أنسام تحمل أماني بسيطة: "اتمنى تفتح المعابر ويدخل الدواء ونرجع نمارس حياتنا زي قبل الحرب؛ بدي أتعالج وأرجع المدرسة وأعيش طفولتي مثل باقي الأطفال".

منذ سنوات طويلة، يفرض الاحتلال حصاراً خانقاً على غزة، لكنه اشتد مع الحرب الجارية. حرمان المرضى من السفر ليس جديداً، إذ كانت تقارير منظمات حقوقية دولية تؤكد أن مئات المرضى توفوا خلال السنوات الماضية بانتظار تصريح خروج لتلقي العلاج خارج القطاع.

إلا أن الحرب الحالية فاقمت الوضع بشكل غير مسبوق، فمعظم المرافق الطبية دُمرت، والكوادر الطبية استُهدفت، وأصبحت غزة بلا منظومة صحية تقريباً. وفي ظل النزوح الجماعي وسوء التغذية وانتشار الأمراض المعدية، تحولت حياة المرضى إلى رحلة موت بطيء.

قصة أنسام تختصر ملامح المأساة الإنسانية في غزة: طفلة تحلم بالشفاء، لكنها محاصرة بين السرطان والحرب والمجاعة. كلماتها الأخيرة كانت رسالة للعالم: "أنا بدي أعيش مثل باقي الأطفال.. بدي علاج ومدرسة وسلام. ساعدوا أطفال غزة يظلوا أحياء".

المصدر / فلسطين أون لاين