أخبار اليوم - لوحةٌ من الخراب، شوارعُ مفقودة تحت ركام المباني، واجهات منازل منهارة وأخرى اختفت ملامحها، وأثاث بيوتٍ مبعثر بين أنقاضٍ لم تعد تُعرف معها معالم الحيّ السابق.
عائلاتٌ عادت تنبش بين الركام بحثًا عن ذكرياتٍ وملابس وبطاقات هوية، فيما تروي الجدران بعلامات الاحتراق والنزف فصولًا من الألم.
هكذا بدا المشهد في حي الشيخ رضوان شمالي مدينة غزة، عقب انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي، إثر التوصل إلى اتفاقٍ يقضي بوقف حرب الإبادة على القطاع بعد مرور عامين على اندلاعها. بدا الحيّ وكأن زلزالًا مدمّرًا ضربه فغيّر ملامحه بالكامل، حتى إن بعض سكانه لم يتمكّنوا من التعرّف على مناطق سكناهم.
لم تسلم البنية التحتية الأساسية في الحي من بطش الاحتلال، إذ طالها دمارٌ واسع؛ فلا شبكات مياهٍ أو صرفٍ صحي، والطرق الرئيسية مغطاة بالركام، ما يعقّد عودة السكان الذين نزحوا سابقًا إلى وسط وجنوب القطاع هربًا من القصف العنيف الذي رافق العملية العسكرية الإسرائيلية على مدينة غزة.
هذه الأوضاع فاقمت هشاشة الواقع الصحي والبيئي أمام الأهالي الذين أصرّوا على العودة إلى حيّهم والعيش فوق أنقاض بيوتهم المدمّرة، في مشهدٍ يجسّد عمق التمسّك بالأرض والانتماء إليها.
المواطن ماجد أبو ريالة (53 عامًا) عاد من مخيم النصيرات إلى حي الشيخ رضوان لتفقّد منزله، لكنه تفاجأ بهول الدمار الذي أصاب الحيّ. وحين وصل إلى منزله، أصيب بصدمةٍ شديدة بعدما وجد عدة طوابق منه مدمّرة بالكامل، فيما لحقت أضرارٌ جسيمة بالطوابق المتبقية.
يقول أبو ريالة لصحيفة فلسطين: "قبل وصولي إلى منزلي في الشارع الأول بحي الشيخ رضوان، أصابتني حالة من الذهول من حجم الدمار. شعرتُ للحظةٍ أنني لا أعرف ملامح المنطقة التي عشتُ فيها عمري كلّه".
ويضيف "حين وصلت إلى منزلي المكوّن من أربعة طوابق، وجدت الطابقين العلويين مدمرين تمامًا، أما البقية فأصابها خراب كبير بالكاد يمكن العيش فيه. وكأن زلزالًا ضرب الحيّ فلم يترك شبرًا إلا وطاله الدمار".
ويستدرك قائلًا: "رغم كل هذا الخراب، لن أتخلى عن منزلي في الحيّ الذي عشت فيه سنوات طويلة. سأعمل على إصلاح ما يمكن إصلاحه، وسأعود برفقة عائلتي من النصيرات لنكمل حياتنا هنا".
مشهدٌ مشابه عاشه الشاب أحمد مهدي مرزوق (37 عامًا) الذي عاد منذ اللحظات الأولى لانسحاب الاحتلال، ليتفاجأ بأن منزله الواقع في شارع الجلاء شرق الحي قد تحوّل إلى أكوامٍ من الحجارة. لكنه سرعان ما نصب خيمته على أنقاضه.
يقول مرزوق لـ"فلسطين": "حجم الدمار في حي الشيخ رضوان كبير جدًا، لكن هذا المكان هو الذي وُلدت فيه، ولن أتخلى عنه مهما كلّف الأمر. لذلك نصبت خيمتي وسأعيش هنا حتى يُعاد بناء المنزل".
ويُوضح أن الاحتلال دمّر جميع مقومات الحياة في الحيّ، إذ لم تبقَ بنية تحتية، ولا مياه، ولا غذاء، مشيرًا إلى أن إصلاح ذلك قد يستغرق وقتًا طويلًا.
"نأمل أن تُعاد للحيّ أدنى مقومات الحياة في القريب العاجل حتى نستطيع البقاء هنا"، يضيف مرزوق.
ودعا الشاب الجهات الدولية، العربية والإسلامية، إلى الإسراع في دعم قطاع غزة وإطلاق عملية إعادة الإعمار بصورة عاجلة، "حتى تعود الحياة كما كانت قبل السابع من أكتوبر 2023".
المواطن محمد فرينة (42 عامًا) تجرّع مرارة المشهد ذاته، إذ تفاجأ بتسوية منزله بالأرض بعد عودته من مدينة دير البلح وسط القطاع. يقول بصوتٍ يملؤه القهر: "حجم الدمار الذي أصاب حي الشيخ رضوان لا يُستوعب بالعقل".
يوزع فرينة نظراته صوب منزله الذي أصبح كومةً من الحجارة، ويقول لـ"فلسطين": "البيت هو الوطن وملاذ العائلة، فيه ذكرياتنا وأحلامنا، لكن الاحتلال دمّر كل شيء. حسبنا الله ونعم الوكيل".
ويُتابع بعزيمةٍ رغم الألم: "رغم الدمار الكبير سأبقى هنا، وسأنصب خيمة على أنقاض المنزل لأعيش فيها مع عائلتي إلى أن يُعاد بناؤه من جديد".
تحوّل حي الشيخ رضوان اليوم إلى واقعٍ مؤلمٍ يحتاج إلى استجابةٍ عاجلة، وحمايةٍ مدنيةٍ فعّالة، وتقييماتٍ فنيةٍ وطبيةٍ متواصلة. فالأهالي العائدون يقفون أمام مهمةٍ شاقة للبقاء والبحث عن بقايا حياة، وفي الوقت نفسه أمام تحدٍّ طويل لإعادة بناء ما تبقّى من منازلهم وشبكاتهم ومقومات أمانهم المجتمعي.
ويُعدّ حي الشيخ رضوان أحد أبرز أحياء مدينة غزة، وقد اجتاحه الجيش الإسرائيلي في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2023 لمدة مئة يومٍ متواصلة، ما أدى إلى تدمير حاراته وأسواقه ومدارسه ومساجده كباقي أحياء المدينة، وتشريد سكانه إلى مناطق أخرى.
كما أعاد الاحتلال اجتياحه مجددًا في أغسطس/ آب الماضي خلال توسيع عمليته العسكرية في مدينة غزة، مُخلّفًا دمارًا وخرابًا واسعَين.
فلسطين أون لاين