جنين-أخبار اليوم - مع أذان الفجر، تكمل عائلة أبو فاروق من بلدة جبع جنوب جنين استعداداتها لليوم الأول في موسم الزيتون لهذا العام.
وقبل شروق الشمس يمكن مشاهدة مركبات الفلاحين وجراراتهم الزراعية تقطع شوارع البلدة للوصول إلى حقول الزيتون على أطرافها. وتكاد تخلو البلدة من المارة خلال ساعات النهار، إذ يوجد الأهالي في أراضيهم بشكل جماعي.
في الجهة المقابلة لمستوطنة "حومش" بين مدينتي نابلس وجنين، تقع أرض عائلة أبو فاروق البالغ مساحتها 5 دونمات (الدونم= ألف متر مربع) ورثها أبو فاروق عن جده، وللوصول إليها تحتاج العائلة المكونة من 6 أفراد للسير نصف ساعة من المشي.
وفور وصولهم، يبدأ أبو فاروق (66 عاما) بتفقد الأشجار، وبعد قرار مشترك مع الأولاد يتم اختيار الشجرة الأكبر والأكثر ثمرا لقطفها أولا.
موسم بركة
يصف أبو فاروق موسم الزيتون بموسم الخير، حيث يعتدل الجو ويبدأ المطر، وعلى الرغم من قلة الثمار لهذا العام، فإن للزيتون "بركة لا تعرف إلا في معاصر الزيت".
ويؤكد للجزيرة نت "هذا كنز سينقل للأولاد والأحفاد، العام الماضي حصلنا على 37 تنكة (وعاء معدني أو بلاستيكي يعبأ به الزيت وتكون سعته قرابة 15 كيلوغراما من الزيت)، جهد 10 أيام فقط، هذه بركة".
ويرجع أبو فاروق بذاكرته إلى أعوام شبابه الأولى حين كان الزيتون أساس البيت الفلسطيني. وحسب كلامه، فإن الزيت كان يدخل في كل تفاصيل الحياة الفلسطينية، بدءا من أنواع من الخبز، مرورا بالأكلات الشعبية المعروفة كالمسخن، وانتهاء باستخدامه في علاج آلام المفاصل ونزلات البرد.
وتقسم العائلات العمل في الأرض، ففي حين يقطف الرجال ثمار الزيتون من الأشجار، تنشغل النساء بجني الحب المتساقط على الأرض، ومن ثم تعبئته في الأكياس، وإعداد الشاي القهوة والطعام.
وعند موعد الاستراحة الأولى لتناول الفطور، كان أبو فاروق يغني أبياتا تراثية عن الزيت ويقول "يا زيتون العماير.. لجدادك أنا ساير" و"يا زيتون المحفّر على جدادك ما بتأخر". و"الجداد" مصطلح شعبي يطلق على عملية قطف الزيتون في فلسطين.
وينتظر الفلسطينيون موسم الزيتون كل عام، ويعتبر موسم رزق ودخل للكثير منهم. حيث تعتمد عائلات على بيع إنتاجها من الزيت والزيتون للحصول على دخل يعينها بقية شهور العام.
وبحسب أبو فاروق وعائلته، فإن موسم الزيتون صار في العاميين الماضيين مهمة شاقة، خاصة مع وجود المستوطنين في مستوطنة حومش، ومحاولاتهم المتكررة للاستيلاء على أراضي بلدات جبع وسيلة الظهر جنوب مدينة جنين، وسبسطية غرب مدينة نابلس، في وقت يتكرر فيه الأمر بغالبية بلدات وقرى الضفة الغربية.
اعتداءات متكررة
وسجلت وزارة الصحة الفلسطينية -يوم الجمعة الماضي- إصابة 36 مواطنا، من بلدة بيتا، باعتداءات المستوطنين على قاطفي الزيتون في أراضي البلدة.
ويؤكد نائب رئيس بلدية بيتا، محمد حمايل، للجزيرة نت، أن إنتاج الزيتون تراجع بنسبة 40% خلال السنتين الماضيتين في البلدة.
ويضيف أن موسم الزيتون صار موسما للمواجهة الحتمية مع المستوطنين وجيش الاحتلال المساند لهم. ويفيد أنه خلال الأسبوع الحالي -وهو بداية الموسم- في البلدة، تم تسجيل قرابة 80 اعتداء شنّها المستوطنون ضد المواطنين وممتلكاتهم، بعضها بالضرب وإلقاء الحجارة، واعتداء بالعصي وسرقة المحصول، إضافة إلى إصابة بالرصاص الحي، كما تم توثيق حرق 6 مركبات لقاطفي الزيتون.
وتشير تقديرات بلدية بيتا إلى أن مئات الدونمات من حقول الزيتون يُمنع أصحابها من الوصول إليها، وكلها تقع ضمن المناطق المصنفة "ب"، الخاضعة إداريا للسلطة الفلسطينية حسب اتفاق أوسلو، وتبعد 300 متر عن أقرب نقطة في المناطق المصنفة "ج"، الخاضعة أمنيا وإداريا للسيطرة الإسرائيلية، وفق الاتفاق ذاته.
موسم ضعيف
ويعاني موسم الزيتون -هذا العام- من ضعف الإنتاج، حيث يوصف الموسم بـ"الشلتوني"، وهو التعبير الذي يطلق على موسم الزيتون حين يكون أقل من نصف الإنتاج السنوي للسنوات العشر الماضية.
وتقدر وزارة الزراعة الفلسطينية أن يصل إنتاج الزيتون لهذا العام بين 7 و8 آلاف طن، في حين سجلت الوزارة إنتاجا يصل حتى 22 ألفا و500 طن، لكل عام خلال السنوات العشر الأخيرة.
وتشير بيانات وزارة الزراعة إلى وجود قرابة 2500 طن من زيت الزيتون "القديم" من السنوات السابقة في السوق الفلسطيني.
ويتحدث الخبير ورئيس مجلس الزيت الفلسطيني، فياض فياض، للجزيرة نت، عن انعكاس الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وهجمات المستوطنين ومصادرة الأراضي الفلسطينية على إنتاج الزيت في العامين الماضيين. ويقول إن استيراد الزيت ممنوع في فلسطين منذ قيام السلطة الفلسطينية، مع وجود عمليات تهريب لزيت الزيتون السوري عبر المستوطنات إلى السوق المحلي في حالات قليلة.
ويضيف "لكن الاحتلال ومنذ عام 1967 أعدم مليون شجرة زيتون في الضفة الغربية، في حين تم توثيق إبادة 250 ألف شجرة خلال السنوات الـ15 الأخيرة".
ويؤكد فياض أن الأرقام أكثر من ذلك، لأن العديد من حالات اقتلاع أشجار الزيتون ومصادرة الأراضي لا يتم التبليغ عنها وتوثيقها رسميا.
وبعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، زادت وتيرة اقتلاع وتكسير أشجار الزيتون في الضفة الغربية، حيث تم تسجيل اقتلاع أكثر من 27 ألف شجرة زيتون، حتى الأول من سبتمبر/أيلول الماضي، في حين قضت آلة الحرب الإسرائيلية على كامل حقول الزيتون في قطاع غزة، ودمّر الاحتلال أفضل معاصر الزيتون في القطاع، التي تعد الأحدث في المنطقة، بحسب فياض.
فلسطين - رام الله - قرية المغيِّر - شجرة زيتون معمرة اقتلعها جيش الاحتلال أثناء عمليته العسكرية التي استمرت لأربعة أيام - الجزيرة نت.
إسرائيل اقتلعت أكثر من 27 ألف شجرة زيتون فلسطينية بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (الجزيرة)
أرقام مقلقة
ويضيف فياض أن المزارعين مُنعوا، خلال 2023، من الوصول إلى 40 ألف دونم من أراضيهم خلف الجدار الفاصل، ويوجد في تلك الأراضي مليون شجرة زيتون، مما يعني فقد 20% من الناتج العام.
وفي عام 2024 أعطيت تصاريح دخول هذه الأراضي لمدة أسبوع واحد، لكن على أرض الواقع سُمح للناس بالعمل 3 أيام في أراضيهم فقط.
ويقسم مجلس الزيت تصريف الزيت الفلسطيني إلى 4 قنوات تسويقية وهي:
السوق المحلي ويصل الى 13 ألف طن سنويا.
دول الخليج ويسمى الزيت المصدر إليها "أمانات" ويصل الى قرابة 4 آلاف طن سنويا.
الأردن ويسمى الزيت المصدر إليها هدايا، ويصل إلى ألف طن.
دول أميركا وأوروبا وآسيا ويصل إلى ألفي طن سنويا.
وتشكل الزراعة في فلسطين قرابة 3 إلى 5% من الناتج القومي الفلسطيني، في حين يشكل الاقتصاد النباتي 25% من الاقتصاد الزراعي الفلسطيني، ويشكل زيت الزيتون 14% من الاقتصاد النباتي ككل.
وبحسب فياض، فإن زيت الزيتون يُوفر 140 مليون دولار للاقتصاد الفلسطيني في المواسم العادية. ويؤكد أن أكثر المحافظات الفلسطينية إنتاجا هي جنين تليها طولكرم وتتنافس محافظتا رام الله ونابلس على المركز الثالث، في حين تحتل سلفيت سنويا المركز الخامس في الإنتاج. "بينما لا يعادل إنتاج محافظات القدس والخليل وبيت لحم مجتمعة بلدات كفر راعي وعرابة ويعبد في جنين وحدها" يختم فياض.
الجزيرة