هل تترجم موازنة الدولة القادمة صوت الشارع أم تبقى أرقامًا على الورق؟
أخبار اليوم - تقترب الحكومة من عرض مشروع الموازنة العامة للعام المالي القادم على مجلس الأمة، في وقتٍ يشهد فيه الشارع الأردني حالة ترقّب مشوبة بالشكوك والتساؤلات: هل ستكون هذه الموازنة مختلفة فعلًا؟ أم أنها ستعيد إنتاج أرقامٍ مألوفة بلا أثرٍ على حياة المواطنين؟
في المقاهي والدوائر الحكومية والأسواق، يختصر الناس مطالبهم بكلمة واحدة: العدالة. فالمواطن الأردني لم يعد يبحث في تفاصيل الإنفاق العام أو عجز الموازنة، بقدر ما يريد أن يرى أثرًا ملموسًا في معيشته، في راتبه، في قدرته على الصمود أمام موجات الغلاء المتلاحقة. فكل موازنة سابقة كانت تُقدَّم تحت شعار “الإصلاح المالي”، لكنها في نظر كثيرين لم تُصلِح إلا أرقام الجداول، بينما ظلّ الواقع على حاله.
تتصدر زيادة الرواتب وربطها بمستوى التضخم قائمة المطالب الشعبية، إلى جانب خفض الضرائب غير المباشرة التي أنهكت المواطن، ومراجعة الأسعار الحكومية خاصة في مجالي الكهرباء والمياه. ويرى اقتصاديون أن الإصلاح الحقيقي يبدأ عندما يُعاد ترتيب أولويات الإنفاق العام ليكون الإنسان أولًا، لا أن تظلّ الموازنات أسيرة النفقات الجارية ورواتب كبار المسؤولين.
كما يطالب الشارع بوضوح في البنود، وشفافية في توزيع الموارد، ومصارحة حول حجم الدين العام وأسباب تراكمه، لأن الثقة بين المواطن والمؤسسات الرسمية لا تُبنى إلا على المكاشفة. فالأردنيون، رغم الصعوبات، ليسوا ضد التقشف ولا ضد الإصلاح، لكنهم يريدون عدالة في توزيع الأعباء قبل الحديث عن التضحيات.
في المقابل، تدافع الحكومة عن سياساتها المالية باعتبارها تسعى إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي ومنع الانزلاق نحو عجزٍ أكبر، وتشير إلى التحديات الإقليمية وارتفاع كلفة الطاقة والخدمات العامة. غير أن هذه المبررات، مهما بدت واقعية، لم تعد تقنع الشارع الذي يسأل: أين ذهبت الوعود بالإصلاح الإداري ومحاربة الهدر؟ وأين هو نصيب المحافظات من التنمية التي تتكرر في الخطط كل عام؟
تبقى الموازنة، كما يراها كثيرون، اختبارًا حقيقيًا للعلاقة بين الدولة والمواطن. فإما أن تكون وثيقة مالية تعبّر عن نبض الناس وتضع حاجاتهم في مقدمة الأولويات، وإما أن تظلّ ورقة أرقام لا تعنيهم إلا حين ترتفع معها الأسعار والضرائب.
السؤال المطروح اليوم ليس كم يبلغ العجز، بل: هل ستسدّ الموازنة فجوة الثقة بين المواطن والدولة، أم تزيدها عمقًا؟