هل حبس الأب على النفقة يحمي حقوق المطلقات أم يهدم ما تبقى من الأسرة؟

mainThumb
هل حبس الأب على النفقة يحمي حقوق المطلقات أم يهدم ما تبقى من الأسرة؟

24-11-2025 06:25 PM

printIcon

أخبار اليوم – أثار موقف النائب صالح العرموطي الرافض لاستبدال عقوبة الحبس في قضايا النفقة بـ"السوار الإلكتروني" نقاشاً واسعاً بين مواطنين، انقسمت فيه الآراء بين من يعتبر الحبس ضمانة لحصول المرأة وأطفالها على حقوقهم المالية، ومن يرى أنّ القوانين الحالية تتحوّل في كثير من الحالات إلى عبء قاسٍ على الآباء المتعثرين وتدفع إلى مزيد من تفكك الأسر.

ففي جانب، عبّرت فئة من المواطنين عن تأييدها لموقف العرموطي، معتبرة أن النفقة "حق شرعي لا يجوز التهاون فيه"، وأن المرأة المطلقة كثيراً ما تجد نفسها وحدها في مواجهة أعباء المعيشة وتكاليف تربية الأبناء، وأن تشديد الإجراءات على الممتنع عن الدفع هو الطريق الوحيد لضمان التزامه، خصوصاً في ظل غلاء الأسعار وارتفاع كلفة التعليم والعلاج والسكن والملبس. ويرى هؤلاء أن أي تراجع عن الحبس أو استبداله بإجراءات مخففة سيُشجّع من يملكون القدرة المالية على التهرب من مسؤولياتهم، ويترك المطلقات والأطفال في مواجهة المجهول.

في المقابل، برزت أصوات شديدة الانتقاد لهذه المنظومة، معتبرة أن الحبس في قضايا النفقة لا ينسجم مع روح الشريعة ولا مع الواقع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه كثير من الآباء، وأن "سجن المعيل" لا يؤمّن نفقة ولا يحفظ أسرة، بل يقطع مصدر الدخل ويضاعف الأعباء على الجميع. وتحدّث كثيرون عن تجارب لرجال فقدوا وظائفهم أو تراجعت دخولهم، فوجدوا أنفسهم بين ضغط الالتزامات المعيشية القائمة وبين أحكام نفقة لا تُمراعي التغيّر في ظروفهم، ما راكم عليهم الديون ودفعهم إلى دوامة قضايا التنفيذ والحبس.

واتّجهت آراء أخرى إلى انتقاد ما وصفته بـ"الاختلال في ميزان الحقوق بين الزوجين"، متهمة بعض النساء باستغلال قوانين النفقة والحضانة والمؤخر وتحويل الطلاق إلى "باب تحصيل مالي"، مع الإقرار في الوقت نفسه بوجود مظلومات حقيقيات يحتجن إلى حماية القانون. وطالب أصحاب هذه الرؤية بمراجعة شاملة لقانون الأحوال الشخصية، خصوصاً ما يتصل بسن الحضانة، وآليات تقدير النفقة، وطريقة توزيع المسؤوليات بين الأب والأم، وبشكل يضمن مصلحة الأطفال أولاً ويمنع أي إساءة لاستخدام النصوص.

في وسط هذا الجدل، برزت أصوات تحاول وضع النقاش في سياقه الأوسع، مشيرة إلى أن جذور المشكلة تعود إلى البطالة، وتدنّي الأجور، وارتفاع كلفة الحياة، وضعف الوعي الأسري قبل الزواج وبعده، وأن أي معالجة جزئية تقتصر على الحبس أو السوار لن تعالج جوهر الأزمة ما لم تترافق مع سياسات اقتصادية واجتماعية تقلّل أسباب النزاعات وتخفّف الضغط عن الأسر.

وبين من يتمسّك ببقاء الحبس، ومن يطالب باستبداله بإجراءات بديلة، ومن يدعو إلى إعادة صياغة فلسفة القانون برمّتها، يبقى ملف النفقة والحضانة واحداً من أكثر الملفات حساسية في النقاش العام، بانتظار ما ستسفر عنه مناقشات مجلس النواب والتعديلات التشريعية المرتقبة على القوانين ذات الصلة، وبما يوازن بين حقوق المرأة والرجل، ويحمي الأطفال من أن يكونوا وقوداً لخلافات الكبار.