أخبار اليوم - عمّان - صفوت الحنيني - قالت الكاتبة والباحثة السياسية، د. هديل القدسي، إن الأردن يمثل نموذجاً فريداً لدولة صغيرة من حيث الجغرافيا والديموغرافيا، لكنها كبيرة بقدرتها على صون قرارها السياسي المستقل وسط منطقة تموج بالأزمات وتتشابك فيها المصالح والصراعات.
وأكدت القدسي، في حديثها لـ"أخبار اليوم"، أن هذه القدرة ليست نتاج ظرف طارئ، بل ثمرة مسار طويل من الفهم العميق لتحديات الجغرافيا السياسية، ومنهجية استراتيجية تبنتها القيادة الأردنية على مدار عقود، جمعت بين صلابة الموقف ومرونة الأداء، وبين التمسك بالثوابت والقدرة على التكيف دون الانزلاق إلى دائرة التبعية.
وأوضحت أن خصوصية الموقع الجيوسياسي الحساس للمملكة فرضت صياغة معادلة دقيقة تقوم على الانفتاح والشراكات المتنوعة دون الوقوع في فخ الاصطفافات أو التبعية، لافتة إلى أن السياسة الخارجية الأردنية كانت ولا تزال قائمة على الاعتدال والعقلانية، ورافضة للمغامرات، مع الحفاظ على تواصل بنّاء مع مختلف القوى الإقليمية والدولية.
وأشارت القدسي إلى أن استقلالية القرار الأردني تجلّت في قدرته على التعامل مع ضغوط متضادة، سواء من قوى كبرى تسعى لترسيخ نفوذها في المنطقة، أو من أزمات الإقليم المتجددة، مضيفة أن عمّان نجحت في بناء شبكة علاقات متوازنة مع قوى متنافسة مثل الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، روسيا، الصين، ودول الخليج، دون المساس بسيادتها أو ثوابتها، وعلى رأسها دعم القضية الفلسطينية والدفاع عن المقدسات.
وبيّنت أن هذه الاستقلالية تستند إلى ثلاثة عوامل أساسية: أولها حكمة القيادة السياسية ووعيها بالتوازنات الممكنة، وثانيها دبلوماسية نشطة واستباقية حافظت على الحضور الفاعل في المحافل الدولية، وثالثها التماسك الداخلي وجهود تنويع الشراكات الاقتصادية وتقليل الاعتماد على المساعدات المشروطة.
وختمت القدسي بالقول إن الحفاظ على استقلال القرار الوطني لم يكن مهمة سهلة، خاصة في ظل تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران ومحاولات استدراج دول المنطقة إلى صراعات لا تخدم مصالحها. لكن الأردن، بحسب تعبيرها، ظل متمسكاً بمبدأ السيادة ورافضاً لأي انتهاك لها، داعياً إلى ضبط النفس والحوار باعتبارهما الخيار الوحيد لتجنيب المنطقة مزيداً من الانفجار.
وأكدت أن التجربة الأردنية تثبت أن الاستقلال السياسي لا يُبنى بالشعارات، بل برؤية متزنة تجمع بين الدفاع عن الكرامة الوطنية ومدّ الجسور من أجل السلام.