إن سياسات التهجير بواسطة الطرق العنيفة والقتل السريع يعيد إلى الأذهان فكرة التهجير للفلسطينيين، حيث ستكون هناك حاجة لإيجاد مخرج غير موجود في الكيان الصهيوني فيما الشعب الفلسطيني في كافة المناطق والدعم من المجتمع الدولي بات يشترط مساعداته للسلطة الفلسطينية بتبني سياسة التهجير ففي أعقاب هذه المعطيات فإن عودة اللاجئين الفلسطينيين من أصقاع العالم العربي إلى مناطق السلطة الفلسطينية ستكرس وضعية اللجوء التي يعيشونها قد يبدو أن الفلسطينيين أن يستأثروا رغم افتقارهم إلى الوسائل اللازمة كي يبقوا محشورين في مكان مزدحم، فما الذي ينبغي أن يفعله سكان غزة حيث إن بقاءهم في قطاع غزة يحكم عليهم بالموت السريع، في المقابل أن عملية نقلهم من غزة تعد أيضا باطلا ومرفوضا لمجرد أن ذلك أشبه بما يسمى الترانسفير، فإن هذا يعني عمليا أن قدرهم المحتوم هو البقاء في معسكر اعتقال مفتوح، فهل ينبغي رفض حل إنساني فقط لمجرد كونه يتراءى للبعض شبيهاً للتهجير.
ومع ذلك فما زال هناك من يُغلب الاعتبار الأيديولوجي في توصيفه المكانة التي تحتلها إسرائيل في العالم والشكل الأول الذي يستند إليه معطيات تغلغل الحضور اليهودي بما يفترض امتلاك إسرائيل في المؤسسات العالمية بكل أشكالها، عبر الرابطة الدينية، قدرة على التحكم بمواقف وقرارات تجبر العديد من الدول الغربية لإطاعتها، بما يشبه عمل اللوبي الدائم والمتوزع على كل أرجاء العالم وقطاعاته، فقد أصبحت تلك الدول رهينة لإسرائيل عبر الصهيونية العالمية أو ما يسمى النفوذ اليهودي، اللذين يتآمران في كل مكان ويفرضان على المؤسسات السياسية والعالمية والحكومات والشركات الكبرى ما يلائم إسرائيل، لتصبح تلك كلها مغلوبة على أمرها، ما يسهل بنقل العرب تحت السيادة الفلسطينية و سيتم تنفيذه قسراً
لذلك فإن تغليب الاعتبار الأيديولوجي في تفسير مكانة إسرائيل العالمية بعد كل ما قامت به من جرائم مروعة، لا يزال هذا التصور الذي يراه تبسيطيا ومتخلفا وهو يشدد على تبادل المنافع، حيث أن إسرائيل لم تعد صاحبة القيادة فعليا أكان موقعا متقدما داخل المنطقة العربية، واليوم باتت إسرائيل بجبروتها لم تعد تعمل على تأمين مصالح الهيمنة الغربية فيها، بل انعكست صورتها من الحارس العسكري والاقتصادي المعطل لإمكانات التطور عبر استنفاد الموارد التي تتجه بالدرجة الأولى نحو تلبية حاجات البناء العسكري وخوض الحروب المتتالية، والمعطل لإمكانات الانفتاح والتكامل السياسي والاقتصادي العربي، لكونها بدت منعزلة والهموم عن سياقها الطبيعي وفرض أولوية عامة مصطنعة ما زالت آثارها المرهقة تتضخم وتفعل فعلها منذ أكثر من خمسين عامًا ويغلب هذا الرأي اعتبار إسرائيل مجرد أداة من أدوات الاستعمار والاستبداد.
هنا نرى أن المسألة الرئيسية المطروحة هي تعيين الموقع المحدد الذي تحتله إسرائيل ضمن النظام العالمي، والوظائف التي تضطلع بها الآن أو تلك التي تتهيأ لها مستقبليا، سواء في ما يخص المنطقة العربية مباشرة أو في خصوص دوائر إقليمية أوسع، فمن غير المعقول ألا يتنبه العالم والعالم العربي إلى التغيرات المتعلقة بإسرائيل، مكانة ووظيفة، فيما يتم افتراض وإدراك التغيرات القائمة على آليات عمل النظام العالمي منذ انتصار النموذج الرأسمالي والمعبر عنه بانهيار الثنائية القطبية وانفلات المجال أمام سطوة الولايات المتحدة، وأمام ما يسمى الهيمنة التامة دون أي قيد أو شرط،
وعودا على ما سبق فإن الآلة العسكرية الصهيونية لا تزال تقتل الأطفال والنساء والحفاة وتمنع عنهم الغذاء والدواء وترتكب جرائم نازية، ولهذا فإن سياسة التهجير ستكون حلا للقيادة الصهيونية، ولذلك فعلى العرب جميعا أن يقفوا وقفة الرجولة وقطع الطريق على أي خطة لتهجير الفلسطينيين، كما رأينا ما جرى في جنوب سوريا والكيفية التي مارستها إسرائيل لدس السم بالدسم.